تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٧٨
وخطرهم * (إني إذا) * أي إذ نفيت * (لمن الظالمين) * (هود: 31) مثلكم * (واصنع الفلك بأعيننا) * قيل: فيه إشارة إلى عين الجمع المشار إليه بخبر " لا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل " الحديث.
وقيل: أي كن في أعين رعايتنا وحفظنا ولا تكن في رؤية عملك والاعتماد عليه، فإن من نظر إلى غيري احتجب به عني، وقال بعضهم: أي أسقط عن نفسك تدبيرك واصنع ما أنت صانع من أفعالك على مشاهدتنا دون مشاهدة نفسك أو أحد من خلقي، وقيل: أي اصنع الفلك ولا تعتمد عليه فإنك بأعيننا رعاية وكلاءة فإن اعتمدت على الفلك وكلت إليه وسقطت من أعيننا * (ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) * (هود: 37) فيه إشارة إلى رقة قلبه عليه السلام بعد احتمال جفوتهم وأذيتهم، وهكذا شأن الصديقين، والكلام في باقي الآية ظاهر، ولا يخفى أنه يجب الإيمان بظاهرها والتصديق بوقوع الطوفان حسبما قص الله سبحانه وإنكار ذلك كفر صريح، لكن ذكر بعض السادة أنه بعد الإيمان بذلك يمكن احتمال التأويل على أنه حظ الصوفي من الآية وذلك بأن يؤول الفلك بشريعة نوح التي نجا بها هو ومن آمن معه، والطوفان باستيلاء بحر الهيولى وإهلاك من لم يتجرد عنها بمتابعة نبي وتزكية نفس كما جاء في مخاطبات إدريس عليه السلام لنفسه ما معناه إن هذه الدنيا بحر مملوء ماءا فإن اتخذت سفينة تركبها عند خراب البدن نجوت منها إلى عالمك وإلا غرقت فيها وهلكت، وعلى هذا يقال: معنى * (ويصنع الفلك) * يتخذ شريعة من ألواح الأعمال الصالحة ودسر العلوم تنتظم بها الأعمال وتحكم * (وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) * كما هو المشاهد في أرباب الخلاعة الممطتين غارب الهوى يسخرون من المتشرعين المتقيدين بقيود الطاعة * (قال إن تسخروا منا) * بجهلكم * (فإنا نسخر منكم) * عند ظهور وخامة عاقبتكم * (كما تسخرون * فسوف تعلمون) * عند ذلك * (من يأتيه عذاب يخزيه) * في الدنيا من حلول ما لا يلائم غرضه وشهوته * (ويحل عليه عذاب مقيم) * (هود: 39) في الآخرة من استيلاء نيران الحرمان وظهور هيئات الرذائل المظلمة * (حتى إذا جاء أمرنا) * بإهلاك أمته * (وفار النور) * باستيلاء الأخلاط الفاسدة والرطوبات الفضلية على الحرارة الغريزية وقوة طبيعة ماء الهيولى على نار الروح الحيوانية، أو * (أمرنا) * بإهلاكهم المعنوي * (وفار التنور) * باستيلاء ماء هوى الطبيعة على القلب وإغراقه في بحر الهيولى الجسماني * (قلنا احمل فيها من كل زوجين) * أي من كل صنفين من نوع اثنين هما صورتاهما النوعية والصنفية الباقيتان عند فناء الأشخاص.
ومعنى حملهما فيها علمه ببقائهما مع بقاء الأرواح الإنسية فإن علمه جزء من السفينة المتركبة من العلم والعمل فمعلوميتهما محموليتهما وعالميته بهما حامليته إياهما فيها * (وأهلك) * ومن يتصل بك في سيرتك من أقاربك * (إلا من سبق عليه القول) * أي الحكم بإهلاكه في الأزل لكفره * (ومن آمن) * (هود: 40) من أمتك * (وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها) * أي بسم الله تعالى الأعظم الذي هو وجود كل عارف كامل من أفراد نوع الإنسان إجراء أحكامها وترويجها في بحر العالم الجسماني وإثباتها وأحكامها كما ترى من إجراء كل شريعة وأحكامها بوجود الكامل ممن ينسب إليها * (إن ربي لغفور) * لهيآت نفوسكم البدنية المظلمة وذنوب ملابس الطبيعة المهلكة إياكم المغرقة في بحرها وذلك بمتابعة الشريعة * (رحيم) * (هود: 41) بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيآت النورانية التي ينجيكم بها * (وهي تجري بهم في موج) * من بحر الطبيعة الجسمانية * (كالجبال) * الحاجبة للنظر المانعة من السير وهم لا يبالون بذلك محفوظون من أن يصيبهم شيء من ذلك الموج، وهذا الجريان يعرض للسالك في ابتداء أمره ولولا أنه محفوظ في لزوم سفينة الشرع لهلك.
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»