تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٧٩
ولعل في الآية على هذا تغليبا * (ونادى نوح ابنه) * المحجوب بالعقل المشوب بالوهم * (وكان في معزل) * لذلك الحجاب عن الدين والشريعة * (يا بني اركب معنا) * أي ادخل في ديننا * (ولا تكن مع الكافرين) * (هود: 42) المحجوبين الهالكين بأمواج هوى النفس المغرقين في بحر الطبع * (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) * أي سألتجىء إلى الدماغ وأستعصم بالعقل المشرق هناك ليحفظني من استيلاء بحر الهيولى فلا أغرق فيه * (قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * وهو الله الذي رحم أهل التوحيد وأفاض عليهم من شآبيب لطفه ما عرفوا به دينه الحق * (وحال بينهما الموج) * أي موج هوى النفس واستيلاء ماء بحر الطبيعة وحجب عن الحق * (فكان من المغرقين) * (هود: 43) في بحر الهيولى الجسمانية، وقيل: من جهة الحق على لسان الشرع لأرض الطبيعة * (يا أرض ابلعي ماءك) * وقفي على حد الاعتدال، ولسماء العقل المحجوبة بالعادة والحس المشوبة بالوهم المغيمة بغيم الهوى * (يا سماء اقلعي) * عن إمداد الأرض * (وغيض الماء) * أي ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة الحاجبة لنور الحق المانعة للحياة الحقيقية * (وقضى الأمر) * بإنجاء من نجا وإهلاك من هلك * (واستوت) * أي سفينة شريعته * (على الجوادي) * وهو جبل وجود نوح * (وقيل بعدا للقوم الظالمين) * (هود: 44) الذين عبدوا الهوى دون الحق ووضعوا الطبيعة مكان الشريعة * (ونادى نوح ربه) * (هود: 45) الخ الكلام على هذا الطرز فيه ظاهر * (قيل يا نوح ابهط) * من محل الجمع وذروة مقام الولاية والاستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة غير معطل للمراتب * (بسلام منا) * أي سلامة عن الاحتجاب بالكثرة * (وبركات) * من تقنين قوانين الشرع * (عليك وعلى أمم) * ناشئة * (ممن معك) * على دينك إلى آخر الزمان * (وأمم) * أي وينشأ ممن معك أمم * (سنمتعهم) * في الدنيا * (ثم يمسهم منا) * في العقبى * (عذاب أليم) * (هود: 48) بإحراقهم بنار الآثار وتعذيبهم بالهيآت المظلمة.
هذا ثم ذكر أنه إذا شئت التطبيق على ما في الأنفس أولت نوحا بروحك. والفلك بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى. والتنور بتنور البدن. وفورانه استيلاء الرطوبة الغريبة والأخلاط الفاسدة، وما أشار إليه * (من كل زوجين اثنين) * (هود: 40) بجيوش القوى الحيوانية والطبيعية وطيور القوى الروحانية، وأولت ما جاء في القصة من البنين الثلاثة. والزوجة بحام القلب. وسام العقل النظري. ويافث العقل العملي. وزوجة النفس المطمئنة. والابن الآخر الوهم. والزوجة الأخرى الطبيعة الجسمانية التي يتولد منها الوهم. والجبل بالدماغ. واستواءها على الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان انتهى، ومن نظر بعين الإنصاف لم يعول إلا على ظاهر القصة وكان له به غنى عن هذا التأويل، واكتفى بما أشار إليه من أن النسب إذا لم يحط بالصلاح كان غريقا في بحر العدم. فما ينفع الأصل من هاشم * إذا كانت النفس من باهله ومن أنه ينبغي للإنسان التحري بالدعاء وأن لا تشغله الشفقة عن ذلك إلى غير ما ذكر، والآية نص في كفر قوم نوح عليه السلام الذين أغرقهم الله تعالى، وفي نصوص الحكم للشيخ الأكبر قدس سره ما هو نص في إيمانهم ونجاتهم من العذاب يوم القيامة وذلك أمر لا نفهمه من كتاب ولا سنة * (وفوق كل ذي علم عليم) * والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
* (وإلى عاد أخ‍اهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إل‍اه غيره إن أنتم إلا مفترون) * * (وإلى عاد) * متعلق بمحذوف معطوف على قوله سبحانه: * (أرسلنا) * في قصة نوح وهو الناصب لقوله تعالى: * (أخاهم) * أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحدا منهم في النسب كقولهم:
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»