تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ٧٧
من شيء * (والسميع) * من يسمع من الحق فيميز الإلهام من الوسواس، وقيل: * (البصير) * هو الذي يشهد أفعاله بعلم اليقين وصفاته بعين اليقين وذاته بحق اليقين فالغائبات له حضور والمستورات له كشف * (والسميع) * من يسمع من دواعي العلم شرعا، ثم من خواطر التعريف قدرا، ثم يكاشف بخطاب من الحق سرا، وقيل: وقيل: * (السميع) * من لا يسمع إلا كلام حبيبه، و * (البصير) * من لا يشاهد إلا أنواره فهو في ضيائها ليلا ونهارا، وإلى هذا يشير قول قائلهم:
ليلي من وجهك شمس الضحى * وإنما السدفة في الجو الناس في الظلمة من ليلهم * ونحن من وجهك في الضو وفسر كل من - الأعمى والأصم - بضد ما فسر به * (البصير والسميع) * والمراد من قوله سبحانه: * (هل يستويان) * (هود: 24) أنهما لا يستويان لما بينهما من التقابل والتباعد إلى حيث لا تتراءى ناراهما، ثم إنه تعالى ذكر من قصة نوح عليه السلام مع قومه ما فيه إرشاد وتهديد وعظة ما عليها مزيد * (فقال الملأ الذين كفروا من قومه) * أي الأشراف المليؤون بأمور الدنيا الذي حجبوا بما هم فيه عن الحق * (ما نراك إلا بشرا مثلنا) * لكونهم واقفين عند حد العقل المشوب بالوهم فلا يرون لأحد طورا وراء ما بلغوا إليه ولم يشعروا بمقام النبوة ومعناها * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) * وصفوهم بذلك لفقرهم حيث كانوا لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا ولم يعلموا أن الشرف بالكمال لا بالمال.
* (وما نرى لكم علينا من فضل) * وتقدم يؤهلكم لما تدعونه * (بل نظنكم كاذبين) * (هود: 27) فلا نبوة لك ولا علم لهم * (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) * يجب عليكم الإذعان بها * (وآتاني رحمة) * هداية خاصة كشفية متعالية عن درجة البرهان * (من عنده) * فوق طور عقولكم من العلوم اللدنية ومقام النبوة * (فعميت عليكم) * لاحتجابكم بالظاهر عن الباطن وبالخليقة عن الحقيقة * (أنلزمكموها) * ونجبركم عليها * (وأنتم لها كارهون) * (هود: 28) لا تلتفتون إليها كأنه عليه السلام أراد أنه لا يكون إلزام ذلك مع الكراهة لكن إن شئتم تلقيه فزكوا أنفسكم واتركوا إنكاركم حتى يظهر عليكم أثر نور الإرادة فتقبلوا ذلك، وفيه إشارة إلى أن المنكر لا يمكن له الاستفاضة من أهل الله تعالى ولا يكاد ينتفع بهم ما دام منكرا ومن لم يعتقد لم ينتفع * (ويا قوم لا أسئلكم عليه مالا) * أي ليس لي مطمح في شيء من أموالكم التي ظننتم أن الشرف بها * (إن أجري إلا على الله) * فهو يثيبني بما هو خير وأبقى * (وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم) * أي إنهم أهل الزلفى عنده تعالى وهم حمائم أبراج الملكوت وبزاة معارج الجبروت * (ولكني أراكم قوما تجهلون) * (هود: 29) تسفهون عليهم وتؤذونهم * (ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم) * كما تريدون وهم بتلك المثابة * (أفلا تذكرون) * (هود: 30) لتعرفوا التماس طردهم ضلال، وفيه إشارة إلى أن الإعراض عن فقراء المؤمنين مؤد إلى سخط رب العالمين.
قال أبو عثمان: في الآية * (ما أنا) * بمعرض عمن أقبل على الله تعالى، فإن من أقبل على الله تعالى بالحقيقة أقبل الله تعالى عليه، ومن أعرض عمن أقبل الله تعالى عليه فقد أعرض عن الله سبحانه * (ولا أقول لكم عندي خزائن الله) * الخ أي أنا لا أدعي الفضل بكثرة المال ولا بالاطلاع على الغيب ولا بالملكية حتى تنكروا فضلي بفقدان ذلك وبمنافاة البشرية لما أنا عليه * (ولا أقول للذين) * تنظرون إليهم بعين الحقارة * (لن يؤتيهم الله خيرا) * كما تقولون أنتم إذ الخير عندي ما عند الله تعالى لا المال * (الله أعلم بما في أنفسهم) * من الخير مني ومنكم وهو أعلم بقدرهم
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»