بذلكما ويراد ما يفهم مما قبل من عمله بتأويل الرؤيا و (من) في قوله (من فضل الله) تبعيضية ويكون قد أخبر عنه أولا بأنه مما علمه إياه ربه وثانيا بأنه بعض فضل الله تعالى عليه وعلى آبائه بالذات وعلى الناس بواسطتهم لأنهم يعبرون لهم رؤياهم فيكشفون ما أبهم عليهم ويزلون عنهم ما أشغل أذهانهم مع ما في ذلك من النفع الذي لا ينكره إلا نائم أو متناوم ومن وقف على ما ترتب على تعبير رؤيا الملك من النفع الخاص والعام لم يشك في أن علم التعبير من فضل الله تعالى على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون فضل الله تعالى مطلقا أو فضله عليهم بوجود من يرجعون إليه في تعبير رؤياهم ويكون ذلك نظير قولك لمن سألم عن زيد: ذلك أخي ذلك حبيبي لكنه وسط ههنا ما وسط وتفنن في التعبير فأتي باسم الإشارة أولا مقرونا بخطابهما ولم يأت به ثانيا كذلك وأتي بالرب مضافا إلى ضميره أولا وبالاسم الجليل ثانيا ويجوز أن يكون المشار إليه في الموضعين الإخبار بالمغيبات مطلقا والكلام في سائر الآية عليه لا أظنه مشكلا وعلى الوجهين لا ينافي تعليل نيل الكرامة بتركه ملة الكفرة واتباعه ملة آبائه الكرام الإخبار بأن ذلك من فضل الله تعالى عليه وعلى من معه كما لا يخفى نعم إن حمل الإشارة على ما ذكر وتوجيه الآية عليه بما وجهت لا يخلو عن بعد ومن الناس من جعل الإشارة إلى النبوة وفيه ما فيه أيضا هذا وأوجب الإمام كون المراد في قوله: (لا يشكرون) لا يشكرون الله تعالى على نعمة الإيمان ثم قال: وحكى أن واحدا من أهل السنة دخل على بشر بن المعتمر فقال: هل تشكر الله تعالى على الإيمان أم لا فإن قلت: لا فقد خالفت الإجماع وإن شكرته فكيف تشكره على ما ليس فعلا له فقال بشر: إنا نشكره على أن أعطانا القدرة والعقل والآلة وأما أن نشكره على الإيمان مع أنه ليس فعلا له فذلك باطل وصعب الكلام على بشر فدخل عليهم ثمامة بن الأشرس فقال: إنا لا نشكر الله تعالى على الإيمان بل الله تعالى يشكره علينا كما قال سبحانه: (فأولئك كان سعيهم مشكورا) فقال بشر: لما صعب الكلام سهل وتعقب ذلك عليه الرحمة بأن الذي التزمه ثمامة باطل وهو على طرف الثمام بنص هذه الآية لأنه سبحانه بين فيها أن عدم الإشتراك من فضل الله تعالى ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة وقد ذكر سبحانه ذلك على سبيل الذم فدل على أنه يجب على مؤمن أن يشكر الله تعالى على الإيمان لئلا يدخل في الذم وحينئذ تقوى الحجة وتكمل الدلالة أه ولعل الوجه في الآية ما تقدم فليفهم (يا صاحبي السجن (أي يا صاحبي فيه إلا أنه أضيف إلى الظرف توسعا كما في قولهم: يا سارق الليلة أهل الدار ولعله إنما ناداهما بعنوان الصحبة في مدار الأشجان ودار الأحزان التي تصفو فيها المودة وتتمحض النصيحة ليقبلا عليه ويقبلا مقالته ويجوز أن يراد بالصحبة السكنى كما يقال: (أصحاب النار) (وأصحاب الجنة) لملازمتهم لهما والإضافة من باب إضافة الشيء إلى شبه المفعول عند أبي حيان وإلى المفعول عند غيره ولا اتساع في ذلك وقيل: بل هناك اتساع أيضا وأنه أضافهما إلى السجن دونه لكونهما كافرين وفيه نظر ولعل في ندائهما بذلك على هذا الوجه حثا لهما على الإقرار بالحق كأنه قال لهما: يا ساكني هذا المكان الشاق والمحل الضنك إني ذاكر لكم أمرا فقولوا: الحق فيه ولا تزيغوا عن ذلك فأنتم تحت شدة ولا ينبغي لمن كان كذلك أن يزيغ عن الحق وإنما حمل الصاحب على ما سمعت لأن صاحب السجن في الإستعمال المشهور السجان أو الملك والنداء بيا بناءا على الشائع من أنها للبعيد للإشارة
(٢٤٣)