تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٢ - الصفحة ١٢١
ووجه الدفع بذلك التقدير ظاهر لأن الدخول ليس على الفاعل حينئذ.
وجوز أن يكون ذلك التقدير لما أن التوفيق وهو كون فعل العبد موافقا لما يحبه الله تعالى ويرضاه لا يكون إلا بدلالة الله تعالى عليه، ومجرد الدلالة لا يجدي بدون المعونة منه عز شأنه * (عليه توكلت) * في ذلك، أو في جميع أمور لا على غيره فإنه سبحانه القادر المتمكن من كل شيء، وغيره سبحانه عاجز في حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار كما أشار إليه الكتاب وعاينه أولو البصائر والألباب * (وإليه أنيب) * أي أرجع فيما أنا بصدده، أو أقبل بشراشرى في مجامع أموري لا إلى غيره، والجملة معطوفة على ما قبلها، وكأن إيثار صيغة الاستقبال فيها على الماضي الأنسب للتقرر والتحقق كما في التوكل لاستحضار الصورة والدلالة على الاستمرار، ولا يخفى ما في جوابه عليه السلام مما لا يكاد يوجد في كلام خطيب إلا أن يكون نبيا.
وفي أنوار التنزيل أن لأجوبته عليه السلام الثلاثة يعني * (يا قوم أرأيتم) * الخ * (وما أريد أن أخالفكم) * الخ و * (إن أريد) * الخ على هذا النسق شأنا، وهو التنبيه على أن العاقل يجب أن يراعى في كل ما يأته ويذره ثلاثة حقوق أهمها وأعلاها حق الله تعالى، فإن الجواب الأول: متضمن بيان حق الله تعالى من شكر نعمته والاجتهاد في خدمته. وثانيها: حق النفس، فإن الجواب الثاني متضمن بيان حق نفسه من كفها عما ينبغي أن ينتهي عنه غيره. وثالثها: حق الناس فإن الجواب الثالث متضمن للإشارة إلى أن حق الغير عليه إصلاحه وإرشاده؛ وإنما لم يعطف قوله: * (إن أريد) * الخ على ما قبله لكونه مؤكدا ومقررا له لأنه لو أراد الاستئثار بما نهى عنه لم يكن مريدا للإصلاح، ولا ينافي هذا كونه متضمنا لجواب آخر، وكأن قوله: * (وما توفيقي) * الخ إزاحة لما عسى أن يوهمه إسناد الاستطاعة إليه بإرادته من استبداده بذلك، ونظير ذلك * (إياك نعبد وإياك نستعين) * وفيه مع ما بعده إشارة إلى محض التوحيد، وقال غير واحد: إنه قد اشتمل كلامه عليه السلام على مراعاة لطف المراجعة ورفق الاستنزال والمحافظة على حسن المجاراة والمحاورة، وتمهيد معاقد الحق بطلب التوفيق من جانبه تعالى والاستعانة به عز شأنه في أموره وحسم أطماع الكفار وإظهار الفراغ عنهم وعدم المبالاة بمعاداتهم، قيل: وفيه أيضا تهديدهم بالرجوع إلى الله تعالى للجزاء، وذلك من قوله: * (وإليه أنيب) * لأن الرجوع إليه سبحانه يكنى به عن الجزاء وهو وإن كان هنا مخصوصا به لاقتضاء المقام له لكنه لا فرق فيه بينه وبين غيره، وفيه مع خفاء وجه الإشارة أن الإنابة إنما هي الرجوع الاختياري بالفعل إليه سبحانه لا الرجوع الاضطراري للجزاء وما يعمه، وقد يقال: إن في قوله: * (عليه توكلت) * إشارة أيضا إلى تهديدهم لأنه عز وجل الكافي المعين لمن توكل عليه لكن لا يتعين أن يكون ذلك تهديدا بالجزاء يوم القيامة.
* (وياقوم لا يجرمنكم شقاقى أن يصيبكم مثل مآ أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد) * * (وي‍اقوم لا يجرمنكم) * أي لا يكسبنكم * (شقاقي) * أي معاداتي، وأصلها أن أحد المتعادين يكون في عدوة وشق. والآخر في آخر، وروي هذا عن السدي، وعن الحسن ضراري، وعن بعض فراقي، والكل متقارب، وهو فاعل - يجرمنكم - والكاف مفعوله الأول، وقوله سبحانه: * (أن يصيبكم) * مفعوله الثاني، وقد جاء تعدى - جرم - إلى مفعولين كما جاء تعديها لواحد وهي مثل كسب في ذلك، ومن الأول قوله: ولقد طعنت أبا عيينة طعنة * (جرمت) فزارة بعدها أن يغضبوا وإضافة - شقاق - إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لا يكسبنكم شقاقكم إياي أن يصيبكم
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»