تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٤٣
لإظهار كمال قبح ما افتعلوا وكونه كذبا في اعتقادهم أيضا، و * (ما) * استفهامية مبتدأ و * (ظن) * خبرها هو مصدر مضاف إلى فاعله ومفعولاه محذوفان.
وقوله سبحانه: * (يوم القيامة) * ظرف لنفس الظن لا بيفترون لعدم صحته معنى ولا بمقدر لأن التقدير خلاف الظاهر، أي أي شيء ظنهم في ذلك اليوم أني فاعل بهم، والمقصود التهديد والوعيد، ويدل على تعلقه بالظن قراءة عيسى ابن عمر * (وما ظن) * بصيغة الماضي و * (ما) * في هذه القراءة بمعنى الظن في محل نصب على المصدرية، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع وأكثر أحوال القيامة يعبر عنها بذلك في القرآن لما ذكر، والعمل في الظرف المستقبل لا يمنع لتصييره الفعل نصا في الاستقبال التجوز المذكور لأنه يقدر لتحققه أيضا ماضيا، وقيل: الظرف متعلق بما يتعلق به ظنهم اليوم من الأمور التي ستقع يوم القيامة تنزيلا له ولما يقع فيه من الأهوال لمكان وضوح أمره في التحقق والتقرر منزلة المسلم عندهم، أي أي شيء ظنهم لما سيقع يوم القيامة أيحسبون أنهم لا يسألون عن افترائهم أو لا يجازون عليه أو يجازون جزاء يسيرا ولذلك ما يفعلون يفعلون كلا إنهم لفي أشد العذاب لأن معصيتهم أشد المعاصي، والآية السابقة قيل متصلة بقوله سبحانه: * (قل من يرزقكم من السماء والأرض) * الخ كأنه قيل: حيث أقروا أنه سبحانه الرازق قل لهم أرأيتم ما أنزل الله الخ ونقل ذلك عن أبي مسلم، وقيل: بقوله تعالى * (يا أيها الناس) * الخ، وذلك أنه جل شأنه لما وصف القررن بما وصفه وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرغب باغتنام ما فيه عقب ذلك بذكر مخالفتهم لما جاء به وتحريمهم ما أحل، وقيل: إنها متصلة بالآيات الناعية عليهم سوء اعتقادهم كأنه سبحانه بعد أن نعى عليهم أصولهم بين بطلان فروعهم، ولعل خير الثلاثة وسطها.
* (إن الله لذو فضل) * أي عظيم لا يقدر قدره ولا يكتنه كنهه * (على الناس) * جميعا حيث أنعم عليهم بالعقل ورحمهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب وبين لهم ما لا تستقل عقولهم بإدراكه وأرشدهم إلى ما يهمهم من أمر المعاش والمعاد ورغبهم ورهبهم وشرح لهم الأحوال وما يلقاه الحائد عن الرشاد من الأهوال.
* (ولكن أكثرهم لا يشكرون) * ذلك الفضل فلا ينتفعون به، ولعل الجملة تذييل لما سبق مقرر لمضمونه.
* (وما تكون فى شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا فى السمآء ولا أصغر من ذالك ولاأكبر إلا فى كتاب مبين) * * (وما تكون في شأن) * أي في أمر معتنى به، من شأنه بالهمز كسأله إذا قصده وقد تبدل همزته ألفا، وهو في الأصل مصدر وقد أريد المفعول * (وما تتلوا منه) * الضمير المجرور للشأن؛ والتلاوة أعظم شؤونه صلى الله عليه وسلم ولذا خصت بالذكر أو للتنزيل، والإضمار قبل الذكر لتفخيم شأنه أو لله عز وجل، و * (من) * قيل تبعيضية على الاحتمالين الأولين وابتدائية على الثالث والتي في قوله سبحانه: * (من قرءان) * زائدة لتأكيد النفي على جميع التقادير وإلى ذلك ذهب القطب. وقال الطيبي: إن * (من) * الأولى على الاحتمال الأخير ابتدائية والثانية مزيدة، وعلى الاحتمال الأول الأولى للتبعيض والثانية للبيان، وعلى الثاني الأولى ابتدائية والثانية للبيان.
وفي إرشاد العقل السليم أن الضمير الأول للشأن والظرف صفة لمصدر محذوف أي تلاوة كائنة من الشأن أو للتنزيل و * (من) * ابتدائية أو تبعيضية أو لله تعالى شأنه و * (من) * ابتدائية و * (من) * الثانية مزيدة وابتدائية على الوجه الأول وبيانية أو تبعيضية على الوجه الثاني والثالث. وأنت تعلم أنه قد يكون الظرف متعلقا بما عنده، والتزام تعلقه بمحذوف وقع صفة لمصدر كذلك في جميع الاحتمالات مما لا حاجة إليه. نعم اللازم بناء على المشهور أن لا يتعلق حرفان بمعنى بمتعلق
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»