تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٣٥
* (وقد كنتم به تستعجلون) * في موضع الحال من فاعل * (آمنتم) * المقدر، والكلام على ما قيل مسوق من جهته تعالى غير داخل تحت القول الملقن لتقرير مضمون ما سبق من إنكار التأخير والتوبيخ عليه، وفائدة الحال تشديد التوبيخ والتقريع وزيادة التنديم والتحسير. قال العلامة الطيبي: إن الآن آمنتم به يقتضي أن يقال بعده: وقد كنتم به تكذبون لا * (تستعجلون) * إلا أنه وضع موضعه لأن المراد به الاستعجال السابق وهو ما حكاه سبحانه عنهم بقوله تعالى: * (متى هذا الوعد) * وكان ذلك تهكما منهم وتكذيبا واستبعادا، وفي العدول استحضار لتلك المقالة الشنيعة فيكون أبلغ من تكذبون، وتقديم الجار والمجرور على الفعل لمراعاة الفواصل، وقوله تعالى: * (ثم قيل) * الخ عطف على قيل المقدر قبل * (الآن) * لتوكيد التوبيخ.
* (ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) * * (للذين ظلموا) * أي وضعوا ما نهوا عنه من الكفر والتكذيب موضع ما أمروا به من الإيمان والتصديق أو ظلموا أنفسهم بتعريضها للهلاك والعذاب، ووضع الموصول موضع الضمير لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعليته لإصابة ما أصابهم * (ذوقوا عذاب الخلد) * أي المؤلم على الدوام * (هل تجزون) * أي ما تجزون اليوم * (إلا بما كنتم تكسبون) * أي إلا ما استمررتم على كسبه في الدنيا من أصناف الكفر التي من جملتها ما مر من الاستعجال، وزاد غير واحد في البيان سائر أنواع المعاصي بناء أن الكفار مكلفون بالفروع فيعذبون على ذلك لكن هل العذاب عليه مستمر تبعا للكفر أو منته كعذاب غيرهم من العصاة؟ قيل: الظاهر الثاني وبه جمع بين النصوص الدالة على تخفيف عذاب الكفار وما يعارضها فقالوا: إن المخفف عذاب المعاصي والذي لا يخفف عذاب الكفر.
* (ويستنبئونك أحق هو قل إى وربىإنه لحق ومآ أنتم بمعجزين) * * (ويستنبؤنك) * أي يستخبرونك * (أحق هو) * أي العذاب الموعود كما هو الأنساب بالسياق دون ادعاء النبوة الذي جوزه بعضهم، ورجح عليه أيضا بأنه لا يتأتى إثبات النبوة لمنكريها بالقسم. وأجيب بأنه ليس المراد منه إثباتها بل كون تلك الدعوى جدا لا هزلا أو أنه بالنسبة لمن يقنع بالإثبات بمثله، وقد يقال: ما ذكر مشترك الإلزام لأن العذاب الموعود لا يثبت عند الزاعمين أنه افتراء قبل وقوعه بمجرد القسم أيضا فلا يصلح ما ذكر مرجحا، والحق أن القسم لم يذكر للإلزام بل توكيد لما أنكروه، والاستفهام للإنكار، والاستنباء على سبيل التهكم والاستهزاء كما هو المعلوم من حالهم فلا يقتضي بقاءه على أصله، وربما يقال: إن الاستنباء بمعنى طلب النبأ حقيقة لكن لا عن الحقبة ومقابلها بالمعنى المتبادر لأنهم جازمون بالثاني بل المراد من ذلك الجد والهزل كأنهم قالوا: إنا جازمون بأن ما تقوله كذب لكنا شاكون في أنه جد منك أم هزل فأخبرنا عن حقيقة ذلك، ونظير هذا قولهم: * (أفترى على الله كذبا أم به جنة) * (سبأ: 8) على ما قرره الجماعة إلا أن ذلك خلاف الظاهر، و * (حق) * خبر قدم على المبتدأ الذي هو * (هو) * ليلى الهمزة المسؤول عنه، وجوز أن يكون مبتدأ وهو مرتفع به ساد مسد الخبر لأنه بمعنى ثابت فهو حينئذ صفة وقعت بعد الاستفهام فتعمل ويكتفي بمرفوعها عن الخبر إذا كان اسما ظاهرا أو في حكمه كالضمير المنفصل هنا، والمشهور أن استنبأ تتعدى إلى اثنين أحدهما بدون واسطة والآخر بواسطة - عن - فالمفعول الأول على هذا ليستنبؤون الكاف والثاني قامت مقامه هذه الجملة، على معنى يسألونك عن جواب هذا السؤال إذ الاستفهام لا يسأل عنه وإنما يسأل عن جوابه. والزمخشري لما رأى أن الجملة هنا لا تصلح أن تكون مفعولا ثانيا معنى لما عرفت ولفظا
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»