تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٣٤
وأجيب بأن الرضي صرح بأن وقوع الجملة الاستفهامية جوابا بدون الفاء ثابت في كثير من الكلام الفصيح، ولو سلم ما ذكر فيقدر القول وحذفه كثير مطرد بلا خلاف، وأورد أيضا على هذا الوجه أن استعجال العذاب قبل إتيانه فكيف يكون مرتبا عليه وجزاء له، وأجيب بأنه حكاية عن حال ماضية أي ماذا كنتم تستعجلون، ويشهد لهذا التصريح - بكنتم - فيما بعد والقرآن يفسر بعضه بعض، وأنت تعلم أن مجرد ذلك لا يجوز كونه جوابا لأن الاستعجال الماضي لا يترتب على إتيان العذاب فلا بد من تقدير نحو تعلموا أي تعلموا ماذا الخ، وقيل: إن أتاكم بمعنى إن قارب إتيانه إياكم أو المراد إن أتاكم أمارات عذابه، وقيل: حيث أن المراد إنكار الاستعجال بمعنى نفيه رأسا صح كونه جوابا، واعترض على جعل مجموع الشرطية متعلقا * (بأرأيتم) * بأنه لا يصح أن يكون مفعولا به له بناء على أنه بمعنى أخبروني وهو متعد بعن ولا تدخل الجملة إلا أنها إذا اقترنت بالاستفهام وقلنا بجواز تعليقها وفيه كلام في العربية جاز، ودفع بأن مراد القائل بالتعلق التعلق اللغوي لأن المعنى أخبروني عن صنيعكم أن أتاكم الخ [بم والمراد بقوله سبحانه:
* (أثم إذا ما وقع ءامنتم به ءآلان وقد كنتم به تستعجلون) * * (أثم إذا ما وقع ءامنتم به) * زيادة التنديم والتجهيل، والمعنى أئذا وقع العذاب وحل بكم حقيقة آمنتم به وعاد استهزاؤكم وتكذيبكم تصديقا وإذعانا، وجىء بثم دلالة على زيادة الاستبعاد، وفيه إن هذا الثاني أبعد من الأول وأدخل في الإنكار.
وجوز أن يكون هذا جواب الشرط والاستفهامية الأولى اعتراض، والمعنى أخبروني أن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان، وأصل الكلام على ما قيل: إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ووقع وتحقق آمنتم ثم جىء بحرف التراخي بدل الواو دلالة على الاستبعاد ثم زيد أداة الشرط دلالة على استقلاله بالاستبعاد وعلى أن الأول كالتمهيد له وجىء - بإذا - مؤكدا - بما - ترشيحا لمعنى الوقوع والتحقيق وزيادة للتجهيل وأنهم لم يؤمنوا إلا بعد إن لم ينفعهم البتة، وهذا الوجه مما جوزه الزمخشري. وتعقب بأنه في غاية البعد لأن ثم حرف عطف لم يسمع تصدير الجواب به والجملة المصدرة بالاستفهام لا تقع جوابا بدون الفاء وأجيب عن هذا بما مر. وأما الجواب عنه بأنه أجرى * (ثم) * مجرى الفاء فكما أن الفاء في الأصل للعطف والترتيب وقد ربطت الجزاء فكذلك هذه فمخالف لإجماع النحاة، وقياسه على الفاء غير جلي ولهذه الدغدغة قيل: مراد الزمخشري أنه يدل على الجواب والتقدير إن أتاكم عذابه أمنتم به بعد وقوعه وما في النظم الكريم معطوف عليه للتأكيد نحو * (كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون) * وتعقب بأنه لا يخفى تكلفه فإن عطف التأكيد بثم مع حذف المؤكد مما لا ينبغي ارتكابه ولو قيل: المراد إن * (آمنتم) * هو الجواب و * (أثم إذا ما وقع) * معترض فالاعتراض بالواو والفاء وأما - بثم - فلم يذهب إليه أحد، وبالجملة قد كثر الجرح والتعديل لهذا الوجه ولا يصلح العطار ما أفسد الدهر. وقرىء * (ثم) * بفتح الثاء بمعنى هنالك، وقوله سبحانه: * (الآن) * على تقدير القول وهو الأظهر والأقوى معنى أي قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب الآن آمنتم به. فالآن في محل نصب على أنه ظرف لآمنتم مقدرا، ومنع أن يكون ظرفا للمذكور لأن الاستفهام له صدر الكلام. وقرىء بدون همزة الاستفهام والظاهر عندي على هذا تعلقه بمقدر أيضا لأن الكلام على الاستفهام، وبعض جوز تعلقه بالمذكور وليس بذاك. وعن نافع أنه قرىء * (آلآن) * بحذف الهمزة التي بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام، وقوله سبحانه:
(١٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 ... » »»