تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٢٣
* (حتى إذا كنتم في الفلك) * أي فلك العناية الإزلية * (وجرين بهم بريح طيبة) * وهي ريح صبا وصاله سبحانه * (وفرحوا بها) * لايذانها بذلك وتعطرها بشذا ديار الأنس ومرابع القدس:
ألا يا نسيم الريح مالك كلما * تقربت منا زاد نشرك طيبا أظن سليمى خبرت بسقامنا * فأعطتك رياها فجئت طبيبا * (جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان) * وذلك عاصف القهر وأمواج صفات الجلال، وهذه سنة جارية في العاشقين لا يستمر لهم حال ولا يدوم لهم وصال، ولله در من قال: فبتنا على رغم الحسود وبيننا * شراب كريح المسك شيب به الخمر فوسدتها كفى وبت ضجيعها * وقلت لليلى طل فقد رقد البدر فلما أضاء الصبح فرق بيننا * وأي نعيم لا يكدره الدهر * (وظنوا أنهم أحيط بهم) * أي أنهم من الهالكين في تلك الأمواج * (دعوا الله مخلصين له الدين) * بالتبري من غير الله تعالى قائلين * (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) * (يونس: 22) لك بك * (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) * وهو تجاوزهم عن حد العبودية بكسرهم في جمال الربوبية، وذلك مثل ما عرا الحلاج وأضرابه ثم أنه سبحانه نبههم بعد رجوعهم من السكر إلى الصحو على أن الأمر وراء ذلك بقوله جل وعلا: * (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) * (يونس: 23) أي أنه يرجع إليكم ما ادعيتم لا إليه تعالى فإنه سبحانه الموجود المطلق حتى عن قيد الإطلاق كذا قالوا. وقال ابن عطاء في الآية * (حتى إذا ركبوا) * مراكب المعرفة وجرت بهم رياح العناية وطابت نفوسهم وقلوبهم بذلك وفرحوا بتوجههم إلى مقصودهم * (جاءتها ريح عاصف) * أفنتهم عن أحوالهم وإرادتهم * (وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم) * أي تيقنوا أنهم مأخوذون عنهم ولم يبق لهم ولا عليهم صفة يرجعون إليها وأن الحق خصهم من بين عباده بأن سلبهم عنهم * (دعوا الله مخلصين له الدين) * (يونس: 22) حيث صفى سبحانه أسرارهم وطهرها مما سواه * (فلما أنجاهم) * أي ردهم إلى أوصافهم وأشباحهم ورجعوا إلى ما عليه عوام الخلق من طلب المعاش للنفوس انتهى. وكأنه حمل البغي على الطلب وضمنه معنى الاشتغال أي يطلبون في الأرض مشتغلين بغير الحق سبحانه وهو المعاش الذي به قوام أبدانهم، ويشكل أمر الوعيد المنبىء به * (فننبئكم) * (يونس: 23) الخ على هذا التأويل وما قبله لأن ما يقع في السكر لا وعيد عليه وكذا طلب المعاش، وانظر هل يصح أن يقال: إن الأمر من باب حسنات الابرار سيآت المقربين؟ ثم أنه سبحانه مثل الحياة في سرعة زوالها وانصرام نعيمها غب اقبالها واغترار صاحبها بها بما أشار إليه سبحانه بقوله جل وعلا: * (كما أنزلناه) * (يونس: 24) الخ وفيه إشارة إلى ما يعرض والعياذ بالله تعالى لمن سبقت شقاوته في الأزل من الحور بعد الكور فبينما تراه وأحواله حالية وأعوامه عن شوائب الكدر خالية وغصون أنسه متدلية ورياض قربه مونقة قلب الدهر له ظهر المجن وغزاه بجيوش المحن وهبت على هاتيك الرياض عاصفات القضاء وضاقت عليه فسيحات الفضاء وذهب السرور والانس وجعل حصيدا كأن لم يغن بالأمس وأنشد لسان حاله: قف بالديار فهذه آثارهم * نبكي الأحبة حشرة وتشوقا كم قد وقفت بهنا أسائل مخبرا * عن أهلها أو صادقا أو مشفقا فأجابني داعي الهوى في رسمها * فارقت من تهوي فعز الملتقى
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»