تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٣٦
لأنه لا يصح دخول - عن - عليها جعل الفعل مضمنا معنى القول أي يقولون لك هذا، والجملة في محل نصب مفعول القول. وقرأ الأعمش * (آلحق هو) * بالتعريف مع الاستفهام وهي تؤيد كون الاستفهام للإنكار لما فيها من التعريض لبطلانه المقتضى لإنكاره لإفادة الكلام عليها القصر وهو من قصر المسند على المسند إليه على المشهور، والمعنى أن الحق ما تقول أم خلافه، وجعله الزمخشري من قصر المسند إليه على المسند حيث قال كأنه قيل: أهو الحق لا الباطل أو أهوى الذي سميتموه الحق، وأشار بالترديد إلى أن الغرض من هذا الوجه لا يختلف جعل الحصر حقيقيا تحكما أو ادعائيا. واعترض ذلك بأنه مخالف لما عليه علماء المعاني في مثل هذا التركيب. وفي " الكشف " أنه يتخايل أن الحصر على معنى أهو الحق لا غيره لا معنى أهو الحق لا الباطل على ما قرروه في قولهم: زيد المنطلق والمنطلق زيد، فعلى هذا لا يسد ما ذكره الزمخشري ولكنه يضمحل بما حققناه في قوله تعالى: * (وقودها الناس والحجارة) * (البقرة: 24) وأن انحصار أحدهما في الآخر يلاحظ بحسب المقام وحينئذ لا يبالي قدم أو أخر، وههنا المعنى على حصر العذاب في الحقية لا على حصر الحقية في العذاب.
وقد قال هناك: إن التحقيق أن نحو زيد المنطلق وعكسه إنما يحكم فيه بقصر الثاني أعني الانطلاق على الأول لأن المناسب قصر العام على الخاص، وكذلك نحو الناس هم العلماء والعلماء هم الناس وإن كان بينهما عموم وخصوص من وجه لأن المقصود بين، وأما في نحو قولنا: الخاشعون هم العلماء والعلماء هم الخاشعون فالحكم مختلف تقديما وتأخيرا وأحد القصرين غير الآخر، فينبغي أن ينظر إلى مقتضى المقام إن تعين أحدهما لذلك حكم به قدم أو أخر وإلا روعي التقديم والتأخير، وقد يكون القصر متعاكسا نحو زيد المنطلق إذا أريد المعهود وهذا ذاك، وكذلك الجنسان إذا اتحدا موردا كقولك: الضاحك الكاتب إلى آخر ما قال، وكون المعنى ههنا على حصر العذاب في الحقية دون العكس هو المناسب، ومخالفة علماء المعاني ليست بدعا من صاحب الكشاف وأمثاله، والحق ليس محصورا بما هم عليه كما لا يخفى فتدبر * (قل إي وربي إنه لحق) * أي قل لهم غير مكترث باستهزائهم مغضيا عما قصدوا بانيا للأمر على أساس الحكمة: نعم إن ذلك العذاب الموعود ثابت البتة، فضمير * (إنه) * للعذاب أيضا * (وإي) * حرف جواب وتصديق بمعنى نعم قيل: ولا تستعمل كذلك إلا مع القسم خاصة كما أن هل بمعنى قد في الاستفهام خاصة، ولذلك سمع من كلامهم وصلها بواو القسم إذا لم يذكر المقسم به فيقولون - إيو - ويوصلون به هاء السكت أيضا فيقولون: - إيوه - وهذه اللفظة شائعة اليوم في لسان المصريين وأهل ذلك الصقع. وادعى أبو حيان أنه يجوز استعمالها مع القسموبدونه إلا أن الأول هو الأكثر قال: وما ذكر من السماع ليس بحجة لأن اللغة فسدت بمخالطة غير العرب فلم يبق وثوق بالسماع، وحذف المجرور بواو القسم والاكتفاء بها لم يسمع من موثوق به وهو مخالف للقياس، وأكد الجواب بأتم وجوه التأكيد حسب شدة إنكارهم وقوته وقد زيد تقريرا وتحقيقا بقوله جل شأنه: * (وما أنتم بمعجزين) * أي بفائتين العذاب على أنه من فاته الأمر إذا ذهب عنه، ويصح جعله من أعجزه بمعنى وجده عاجزا أي ما أنتم بواجدي العذاب أو من يوقعه بكم عاجزا عن إدراككم وإيقاعه بكم، وأيا ما كان فالجملة إما معطوفة على جواب القسم أو مستأنفة سيقت لبيان عجزهم عن الخلاص مع ما فيه من التقرير المذكور.
* (ولو أن لكل نفس ظلمت ما فى الارض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) * * (ولو أن لكل نفس ظلمت) * أي بالكفر أو بالتعدي على الغير أو غير ذلك من أصناف الظلم كذا
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»