تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١١ - الصفحة ١٢٩
أصله إن نرينك و * (ما) * مزيد لتأكيد معنى الشرط ومن ثمت أكد الفعل بالنون والرؤية بصرية أي اما نرينك بعينك * (بعض الذي نعدهم) * من العذاب بأن نعذبهم في حياتك * (أو نتوفينك) * قبل ذلك * (فالينا مرجعهم) * جواب للشرط وما عطف عليه، والمعنى إن عذابهم في الآخرة مقرر عذبوا في الدنيا أولا، وقيل: هو جواب * (نتوفينك) * كأنه قيل: إنا نتوفينك فإلينا مرجعهم فنريكه في الآخرة وجواب الأول محذوف أي إما نرينك فذاك المراد أو المتمني أو نحو ذلك، وقال الطيبي: أي فذاك حق وصواب أو واقع أو ثابت واختار الأول أبو حيان، والاعتراض عليه بأن الرجوع لا يترتب على تلك الإراءة فيحتاج إلى التزام كون الشرطية اتفاقية ناشىء من الغفلة عن المعنى المراد، والمراد من * (نعدهم) * وعدناهم إلا أنه عدل إلى صيغة الاستقبال لاستحضار الصورة أو للدلالة على التجدد والاستمرار أن نعدهم وعدا متجددا حسبما تقتضيه الحكمة من إنذار غب إنذار.
وفي تخصيص البعض بالذكر قيل رمز إلى أن العدة بإراءة بعض الموعود وقد أراه صلى الله عليه وسلم ذلك يوم بدر * (ثم الله شهيد على ما يفعلون) * من الأفعال السيئة التي حكيت عنهم، والمراد من الشهادة لازمها مجازا وهو المعاقبة والجزاء فكأنه قيل: ثم الله تعالى معاقب على ما يفعلون، وجوز أن يراد منها إقامتها وأداؤها بإنطاق الجوارح وإلا فشهادة الله سبحانه بمعنى كونه رقيبا وحافظا أمر دائم في الدارين و * (ثم) * لا تناسب ذلك، والظاهر أنها على هذين الوجهين على ظاهرها. وفي " الكشف " وغيره هي على الأول للتراخي الرتبي وعلى الثاني على الظاهر وظاهر كلام البعض استحسان حملها على التراخي الرتبي مطلقا ولا أرى لارتكاب خلاف الظاهر بعد ذلك الارتكاب داعيا، وأن العطف بها على الجزاء لا على مجموع الشرطية، وأنت تعلم أن العطف على ذاك يمنع من إرادة التعذيب منه أو إراءته أو نحو ذلك مما لا يصح أن يكون المعنى المعطوف بثم بعده ومترتبا عليه، ولعل ما اعتبروه هناك ليس تفسيرا للرجوع بل هو بيان للمقصود من الكلام، وإظهار اسم الجلالة لإدخال الروعة وتربية المهابة وتأكيد التهديد. وقرأ ابن أبي عبلة * (ثم) * بالفتح أي هنالك.
* (ولكل أمة رسول فإذا جآء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) * * (ولكل أمة) * يوم القيامة * (رسول) * تنسب إليه وتدعى به * (فإذا جاء رسولهم) * الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان * (قضي بينهم) * أي بعد أن يشهد * (بالقسط) * بالعدل وحكم بنجاة المؤمن وعقاب الكافر * (وهم لا يظلمون) * أصلا والجملة قيل تذييل لما قبلها مؤكدة له.
وقيل: في موضع الحال أي مستمرا عدم ظلمهم، ونظير هذه الآية على هذا قوله سبحانه: * (وجىء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم) * (الزمر: 69) أو لكل أمة من الأمم الخالية رسول يبعث إليهم بشريعة اقتضتها الحكمة ليدعوهم إلى الحق فإذا جاء رسولهم فبلغهم ودعاهم فكذبوه وخالفوه قضى بينهم أي بين كل أمة ورسولها بالعدل وحكم بنجاة الرسول والمؤمنين به وهلاك المكذبين والأول مما رواه ابن جرير. وغيره عن مجاهد، والاستقبال عليه على ظاهره ولا يحتاج إلى تقدير مثل ما احتيج في التفسير الثاني وقد رجح بقوله تعالى.
* (ويقولون متى ه‍اذا الوعد إن كنتم ص‍ادقين) * * (ويقولون متى ه‍اذا الوعد إن كنتم ص‍ادقين) * بناء على أن الظاهر أن المراد بالوعد الذي أشاروا إليه العذاب الدنيوي الموعود كما يرشد إله ما بعد. واستشكل ما يقتضيه ظاهر الآية من أن الله تعالى لم يهمل أمة من
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»