تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٥٥
سبب النزول وزمان انلهي ولا ينافي عمومه وشموله لمن سيموت، وقيل: إنه بمعنى المستقبل وعبر به لتحققه؛ والجملة في موضع الصفة لأحد * (ولا تقم على قبره) * أي لا تقف عليه ولا تتول دفنه من قولهم: قام فلان بأمر فلان إذا كفاه إياه وناب عنه فيه، ويفهم من كلام بعضهم أن * (على) * بمعنى عند، والمراد لا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة، والقبر في المشهور مدفن الميت ويكون بمعنى الدفن وجوزوا إرادته هنا أيضا.
وفي فتاوي الجلال السيوطي هل يفسر القيام هنا بزيارة القبور وهل يستدل بذلك على أن الحكمة في زيارته صلى الله عليه وسلم قبر أمه أنه لاحيائها لتؤمن به بدليل أن تاريخ الزيارة كان بعد النهي؟
الجواب المراد بالقيام على القبر الوقوف عليه حالة الدفن وبعده ساعة، ويحتمل أن يعم الزيارة أيضا أخذا من الإطلاق وتاريخ الزيارة كان قبل النهي لا بعده فإن الذي صح في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم زارها عام الحديبية والآية نازلة بعد غزوة تبوك، قم الضمير في * (منهم) * خاص بالمنافقين وإن كان بقية المشركين يلحقون بهم قياسا، وقد صح في حديث الزيارة أنه استأذن ربه في ذلك فأذن له وهذا الاذن عندي يستدل به على أنها من الموحدين لا من المشركين كما هو اختياري، ووجه الاستدلال به أنه نهاه عن القيام على قبور الكفار وأذن له في القيام على قبر أمه فدل على أنها ليست منهم وإلا لما كان يأذن له فيه، واحتمال التخصيص خلاف الظاهر ويحتاج إلى دليل صريح، ولعله عليه الصلاة والسلام كان عنده وقفة في صحة توحيد من كان في الجاهلية حتى أوحى إليه صلى الله عليه وسلم بصحة ذلك، فلا يرد أن استئذانه يدل على خلاف ذلك وإلا لزارها من غير استئذان اه‍ وفي كون المراد بالقيام على القبر الوقوف عليه حالة الدفن وبعده ساعة خفاء إذ المتبادر من القيام على القبر ما هو أعم من ذلك نعم كان الوقوف بعد الدفن قدر تحر جزور مندوبا ولعله لشيوع ذلك إذ ذاك أخذ في مفهوم القيام على القبر ما أخذ.
وفي جواز زيارة قبور الكفار خلاف وكثير من القائلين بعدم الجواز حمل القيام على ما يعم الزيارة ومن أجاز استدل بقوله صلى الله عليه وسلم: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة " فإنه عليه الصلاة والسلام علل الزيارة بتذكير الآخرة ولا فرق في ذلك بين زيارة قبور المسلمين وقبور غيرهم، وتمام البحث في موضعه والاحتياط عندي عدم زيارة قبور الكفار * (إنهم كفروا بالله ورسوله) * جملة مستأنفة سيقت لتعليل النهي على معنى أن الصلاة على الميت والاحتفال به إنما يكون لحرمته وهم بمعزل عن ذلك لأنهم استمروا على الكفر بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم مدة حياتهم * (وماتوا وهم فاسقون) * أي متمردون في الكفر خارجون عن حدوده.
* (ولا تعجبك أموالهم وأول‍ادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها فى الدنيا وتزهق أنفسهم وهم ك‍افرون) *.
* (ولا تعجبك أموالهم وأول‍ادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) * تأكيد لما تقدم من نظيره والأمر حقيق بذلك لعموم البلوى بمحبة ما ذكر والاعجاب به، وقال الفارسي: إن ما تقدم في قوم وهذا في آخرين فلا تأكيد، وجيء بالواو هنا لمناسبة عطف نهى على نهي قبله أعنى قوله سبحانه: * (ولا تصل) * الخ، وبالفاء هناك لمناسبة التعقيب لقوله تعالى: قبل * (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * (التوبة: 54) فإن حاصله لا ينفقون إلا وهم كارهون للانفاق فهم معجبون بكثرة الأموال والأولاد فنهى عن الإعجاب المتعقب له.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 » »»