تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ٩٨
روى البيهقي في الدلائل. وابن عساكر " أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا تبعه أبو بكر فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا أبا بكر؟ فقال: يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك واذكر الطلب فأكون خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رأى ذلك أبو بكر حمله على كاهله وجعل يشتد به حتى أتى فمالغار فأنزله ثم قال: والذي بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم ير شيئا فحمله فأدخله وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء يؤدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه وجعلت دموعه تتحدر وهو لا يرفع قدمه حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ". وفي رواية " أنه سد كل خرق في الغار بثوبه قطعه لذلك قطعا وبقي خرق سده بعقبه " رضي الله تعالى عنه * (فأنزل الله سكينته) * وهي الطمأنينة التي تسكن عندها القلوب * (عليه) * أي على النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل. وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للصاحب. وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت نحوه، وقيل: وهو الأظهر لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينزعج حتى يسكن ولا ينافيه تعين ضمير * (وأيده بجنود لم تروها) * له عليه الصلاة والسلام لعطفه على * (نصره الله) * لا على * (أنزل) * حتى تتفكك الضمائر على أنه إذا كان العطف عليه كما قيل به يجوز أن يكون الضمير للصاحب أيضا كما يدل عليه ما أخرجه ابن مردويه من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: " يا أبا بكر إن الله تعالى أنزل سكينته عليك وأيدك " الخ وأن أبيت فأي ضرر في التفكيك إذا كان الأمر ظاهرا.
واستظهر بعضهم الأول وادعى أنه المناسب للمقام، وإنزال السكينة لا يلزم أن يكون لدفع الانزعاج بل قد يكون لرفعته ونصره صلى الله عليه وسلم، والفاء للتعقيب الذكرى وفيه بعد، وفسرها بعضهم على ذلك الاحتمال بما لا يحوم حوله شائبة خوف أصلا، والمراد بالجنود الملائكة النازلون يوم بدر. والأحزاب. وحنين، وقيل: هم ملائكة أنزلهم الله تبارك وتعالى ليحرسوه في الغار. ويؤيده ما أخرجه أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى تنه " أن أبا بكر رأى رجلا يواجه الغار فقال: يا رسول الله إنه لرآنا قال: كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها فلم ينشب الرجل أنقعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر لو كان يرانا ما فعل هذا "، والظاهر أنهما على هذا كانا في الغار بحيث يمكن رؤيتهما عادة ممن هو خارج الغار، واعترض هذا القول بأنه يأباه وصف الجنود بعدم رؤية المخاطبين لهم إلا أن يقال: المراد من هذا الوصف مجرد تعظيم أمر الجنود، ومن جعل العطف على * (أنزل) * التزم القول المذكور لاقتضائه لظاهر حال الفاء أن يكون ذلك الإنزال متعقبا على ما قبله وذلك مما لا يتأتى على القول الأول في الجنود * (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى) * أي كلمتهم التي اجتمعوا عليها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة حيث نجاه ربه سبحانه على رغم أنوفهم وحفظه من كيدهم مع أنهم لم يدعوا في القوس منزعا في إيصال الشر إليه، وجعلوا الدية لمن يقتله أو يأسره عليه الصلاة والسلام، وخرجوا في طلبه عليه الصلاة والسلام رجالا وركبانا فرجعوا صفر الأكف سود الوجوه، وصار له بعض
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»