تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٩٩
من الجبل مخصصة على ما قيل للرفع ببعض جهات العلو، والجملة الاسمية بعد في موضع الحال أيضا أي مشابها ذلك * (وظنوا) * أي تيقنوا * (أنه واقع بهم) * أي ساقط عليهم إن لم يقبلوا يوعدون بذلك بهذا الشرط والصادق لا يتخلف ما أخبر به لكن لما لم يكن المفعول واقعا لعدم شرطه أشبه المظنون الذي قد يتخلف فلهذاسمي ذلك ظنا.
وقيل: تيقنوا ذلك لأن الجبل لا يثبت في الجو، واعترض بأن عدم ثبوته فيه لا يقتضي التيقن لأنه على جري العادة وأما على خرقها فالثابت الثبوت والواقع عدم الوقوع ويكون ذلك كرفعه فوقهم ووقوفه هناك حتى كان ما كان منهم، والحق أن المتيقن لهم الوقوع إن لم يقبلوا لكونه المعلق عليه، ففي الأثر أن بني إسرائيل أبوا أن يقبلوا التوراة فرفع الجبل فوقهم، وقيل: إن قبلتم وإلا ليقعن عليكم فوقع كل منهم ساجدا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون: هي السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة وامتثلوا ما أمروا به ولا يقدح في ذلك احتمال الثبوت على خرق العادة كما لا يقدح فيه عدم الوقوع إذا قبلوا، ألا ترى إلى أنه يتيقن احتراق ما وقع في النار مع إمكان عدمه كما في قصة الخليل عليه الصلاة والسلام، وذهب الرماني. والجبائي إلى أن الظن على بابه، والمراد قوي في نفوسهم أنه واقع، واختاره بعض المحققين، والجملة مستأنفة، وجوز أن تكون معطوفة على نتقنا أو حالا بتقدير قد كما قال أبو البقاء * (خذوا) * أي وقلنا خذوا أو قائلين خذوا * (ما ءاتيناكم) * من الكتاب * (بقوة) * أي بجد وعزم على تحمل مشاقه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالا من الواو، والمراد خذوا ذلك مجدين * (واذكروا ما فيه) * أي اعملوا به ولا تتركوه كالمنسي وهو كناية عن ذلك أو مجاز.
وقرأ ابن مسعود * (وتذكروا) * وقرىء واذكروا بمعنى وتذكروا * (لعلكم تتقون) * بذلك قبائح الأعمال ورذائل الأخلاق أو راجين أن تنتظموا في سلك المتقين.
وجوز أن يراد بما آتيناكم الآية العظيمة أعني نتق الجبل أي خذوا ذلك إن كنتم تطيقونه كقوله تعالى * (إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا) * (الرحمان: 33) واذكروا ما فيه من القدرة الباهرة والإنذار، وعلى هذا فالمراد من نتق الجبل إظهار العجز لا غير، والكلام نظير قولك لمن يدعي الصرعة والقوة بعد ما غلبته: خذه مني، وحاصله إن كنتم تطلبون آية قاهرة وتقترحونها فخذوا ما آتيناكم إن كنتم تطيقونه، ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر والآثار على خلافه.
* (وإذ أخذ ربك من بنىءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنآ أن تقولوا يوم القي‍امة إنا كنا عن ه‍اذا غ‍افلين) *.
* (وإذ أخذ ربك) * منصوب بمضمر على طرز ما سلف في نظائره وهو معطوف على ما قبل مسوق لإلزام اليهود بمقتضى الميثاق العام فإن منهم من أشرك فقال: عزير بن الله عز اسمه بعد إلزامهم بالميثاق المخصوص بهم والاحتجاج عليهم بالحجج السمعية والعقلية ومنعهم عن التقليد، وبعضهم جوز أن يكون تذييلا تعميما بعد التخصيص وإظهارا لتمادي هؤلاء اليهود في الغي ومنعهم عن التقليد، وبعضهم جوز أن يكون تذييلا تعميما بعد التخصيص وإظهارا لتمادي هؤلاء اليهود في الغي بعد أخذ الميثاق الخاص المدلول عليه بقوله سبحانه: * (وإذ نتقنا الجبل) * (الأعراف: 171) لقوله جل وعلا: * (وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الصور) * (البقرة: 63)، وعليه فلا عطف وهو أظهر من التذييل نظرا إلى ظاهر اللفظ وأولى منه إذا خص العام بالمشركين كما قيل، وقد يقال: إن الآية مسوقة لبيان أخذ ميثاق سابق من جميع الخلق مؤمنهم
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»