تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٩٤
ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم فتقول القردة برأسها نعم ثم ماتوا بعد ثلاث. وعن قتادة أن الشبان صاروا قردة والشيوخ خنازير، وعن مجاهد أنه مسخت قلوبهم فلم يوفقوا لفعهم الحق. وأخرج ابن جرير وغيره عن الحسن قال: كان حوتا حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله تعالى عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما رأيت أحدا أكثر الاهتمام بالذنب إلا واقعة حتى أخذوه فأكلوا والله أوخم أكله أكلها قوم أثقلها خزيا في الدنيا وأطولها عذابا في الآخرة وايم الله تعالى ما حوت أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله تعالى من قتل رجل مؤمن وللمؤمن أعظم حرمة عند الله سبحانه من حوت ولكن الله عز وجل جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه كان على شاطىء البحر الذي هم عنده ضمان من حجارة مستقبلان الماء يقال لأحدهما لقيم وللآخرة لقمانة فأوحى الله تعالى إلى السمك إن حج يوم السبت إلى الصنمين وأوحى إلى أهل القرية إني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تتعرضوه فيه فإذا ذهب اليوم فشأنكم به فصيدوه فابتلى القوم ووقع منهم ما مسخوا به قردة وفي القلب من صحة هذا الأثر شيء ولعله لا صحة له كما لا يخفى على من يعرف معنى الحج من المصلين، ويشبه هذين الصنمين عين حق لأن قرب جزيرة الحديثة من العراق وهي قريبة من شاطىء الفرات السمك يزورها في أيام مخصوصة من السنة حتى يخيل أنه لم يبق في بطن الفرات حوت إلا قذف إليها فيصيد أهل ذلك الصقع منه ما شاء الله تعالى وينقلونه إلى الجزائر والقرى القريبة منهم كألوس وحبة وعانات وهيت ثم ينقطع فلا ترى سمكة في العين بعد تلك الأيام إلى مثلها من قابل وسبحان الفعال لما يريد، واستدل بعض أهل العلم بقصة هؤلاء المعتدين على حرمة الحيل في الدين، وأيد ذلك بما أخرجه ابن بطة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله تعالى بأدنى الحيل ".
* (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القي‍امة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم) *.
* (واذ تأذن ربك) * منصوب بمضمر معطوف على قوله سبحانه: * (واسئلهم) * (الأعراف: 163) وتأذن تفعل من الاذن وهو بمعنى آذن أي أعلم والتفعل يجيء بمعنى الافعال كالتوعد والايعاد، وإلى هذا يؤول ما روي عن ابن عباس من أن المعنى قال ربك، وفسره، بعضهم بعزم وهو كناية عنه أو مجاز لأن العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل والترك ثم يجزم فهو يطلب من النفس الاذن فيه، وفي الكشف لو جعل بمعنى الاستئذان دون الايذان كأنه يطلب الاذن من نفسه لكان وجها، وحيث جعل بمعنى عزم وكان العازم جازما فسر عزم بجزم وقضى فافاد التأكيد فلذا أجرى مجرى القسم، وأجيب بما يجاب به وهو هنا * (ليبعثن) * وجاء عزمت عليك لتفعلن، ولا يرد على هذا أنه مقتضى لجواز نسبة العزم إليه تعالى وقد صرح بمنع ذلك لأن المنع مدفوع فقد ورد عزمة من عزمات الله تعالى * (عليهم) * أي اليهود لا المعتدين الذين مسخوا قردة إذ لم يبقوا كما علمت، ويحتمل عود الضمير عليهم بناء على ما روي عن الحسن. والمراد حينئذ هم وأخلافهم، وعوده إلى اليهود والنصارى ليس بشيء وإن روي عن مجاهد، والجار متعلق بيبعثن على معنى يسلط عليهم البتة * (إلى يوم القيامة) * أي إلى انتهاء الدنيا وهو متعلق بيبعث، وقيل: بتأذن وليس
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»