تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٠٣
حينئذ على ما قيل لأنهم نبوا بنصب الأدلة وجعلوا متهيئين تهيأ تاما لتحقيق الحق وإنكار ذلك مكابرة فكيف يمكنهم أن يقولوا ذلك.
* (أو تقولوا إنمآ أشرك ءاباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) *.
* (أو تقولوا) * في ذلك اليوم * (إنما أشرك أباؤنا من قبل) * أي إن آباءنا هم اخترعوا الإشراك وهم سنوه من قبل زماننا * (وكنا) * نحن * (ذرية من بعدهم) * لا نهتدي إلى سبيل التوحيد * (أفتهلكنا) * أي أتؤاخذنا فتهلكنا اليوم بالعذاب * (بما فعل المبطلون) * من آبائنا المضلين لا نراك تفعل. و * (أو) * لمنع الخلو دون الجمع، وفعل القول عطف على نظيره. وقرأهما أبو عمرو بالياء على الغيبة لأن صدر الكلام عليها، ووجه قراءة الخطاب ما علمت. وقال البعض: إن ذاك لقول الرب تعالى ربكم وإنما وإنما لم يسع القوم هذا القول ون ما ذكر من استعدادهم يضيق عليهم المسالك إليه إذ التقليد عند قيام الدلائل والقدرة على الاستدلال بها مما لا مساغ إليه أصلا. هذا والذي عليه المحدثون والصوفية قاطبة أن الله تعالى أخذ من العباد بأسرهم ميثاقا قاليا قبل أن يظهروا بهذه البنية المخصوصة وأن الإخراج من الظهور كان قبل أيضا.
فقد أخرج أحمد. والنسائي. وابن جرير. وابن مردويه. والحاكم وصححه. والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة فاخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنشرها بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا ألست بربكم؟ قالوا: بلى شهدنا ".
أخرج مالك في الموطى. وأحمد. وعبد بن حميد. والبخاري في التاريخ. وأبو داود. والترمذي وحسنه. والنسائي. وابن جرير وخلق كثير عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سئل عن هذه الآية * (وإذ أخذ ربك) * (الأعراف: 172) الخ فقال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال: إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال الرجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ فقال: إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله تعالى النار " والبيضاوي حمل الآية في تفسيره على التمثيل وكذا في شرحه للمصابيح وذكر فيه أن ظاهر حديث عمر رضي الله تعالى عنه لا يساعد ذلك ولا ظاهر الآية لأنه سبحانه وتعالى لو أراد أن يذكر أنه استخرج الذرية من صلب آدم دفعة واحدة لا على توليد بعضهم من بعض على مر الزمان لقال: وإذ أخذ ربك من ظهر آدم ذريته، والتوفيق بينهما أن يقال: المراد من بني آدم في الآية وأولاده وكأنه صار اسما للنوع كالإنسان والبشر، والمراد بالإخراج توليد بعضهم من بعض على مر الزمان واقتصر في الحديث على ذكر آدم اكتفاء بذكر الأصل عن ذكر الفرع، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث " مسح ظهر آدم " يحتمل أن يكون الماسح الملك الموكل على تصوير الأجنة وتخليقها وجمع موادها وأسند إلى الله تعالى لأنه الآمر كما أسند التوفي إليه قوله تعالى: * (يتوفى الأنفس حين موتها) * (الزمر: 42) والمتوفي لها هو الملك لقوله تعالى: * (تتوفاهم الملائكة) * (النحل: 28) ويحتمل أن يكون الماسح هو الله تعالى ويكون المسح من باب التمثيل، وقيل: هو من المساحة بمعنى التقدير كأنه قال: قدر ما فظهره من الذرية انتهى كلامه. وقال بعضهم: ليس المعنى في الحديث أنه تعالى أخرج الكل من ظهر آدم عليه السلام بالذات بل أخرج من ظهره أبناءه الصلبية ومن ظهورهم
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»