الفروع من الأصول حسب ترتب الولاد ولا يتوقف التخلص عنه على القول بذلك التخصيص.
* (وأشهدهم على أنفسهم) * أي أشهد كل واحد من أولئك الذرية المأخوذين من ظهور آبائهم على أنفسهم لا على غيرهم تقريرا لهم بربوبيته سبحانه وتعالى التامة قائلا لهم: * (ألست بربكم) * أي مالك أمركم ومربيكم على الإطلاق من غير أن يكون لأحد مدخل في شأن من شؤنكم * (قالوا) * في جوابه سبحانه وتعالى * (بلى شهدنا) * أي على أنفسنا بأنك ربنا لا رب لنا غيرك والمراد اقررنا بذلك، وجاء أن القاضي شريح قال لمقر عنده شهد عليك ابن أخت خالتك، ومن هنا قال الجلال السيوطي: إن هذه الآية أصل في الإقرار و * (بلى) * حرف جواب وألفها أصلية عند الجمهور، وقال جمع: الأصل بل والألف زائدة وبعض أولئك يقول: إنها لتأنيث الكلمة كالتاء في ثمت وربت لأنها أميلت ولو لم تكن للتأنيث لكانت زائدة لمجرد التكثير كالف قبعثري وتلك لا تمال، وتختص بالنفي فلا تقع إلا في جوابه فتفيد إبطاله سواء كان مجردا أو مقرونا بالاستفهام حقيقيا كان أو تقريريا، وقد أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى كما في هذه الآية، ولذلك قال ابن عباس وغيره لو قالوا نعم لكفروا. ووجهه أن نعم تصديق للمختبر بنفي أو إيجاب، ولذلك قال جماعة من الفقاء: لو قال أليس لي عليك ألف؟ فقال: بلى لزمته؛ ونعم لا. وقال آخرون: تلزمه فيهما وجروا فيه على مقتضى العرف لا اللغة.
ونازع السهيلي وجماعة في المحكى عن الحبر وغيره متمسكين بأن الاستفهام التقريري موجب ولذلك امتنع سيبويه من جعل * (أم) * متصلة على ما قيل في قوله تعالى: * (أفلا تبصرون) * (القصص: 72) * (أم أنا خير من) * (الزخرف: 52) فإنها لا تقع بعد الإيجاب وإذا ثبت أنه إجياب فنعم بعد الإيجاب تصديق له، قال ابن هشام: ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها الإيجاب وذلك متفق عليه و * (بلى قد جاءتك آياتي) * (الزمر: 59) متقدم فيه ما يدل على النفي لكن وقع في الحديث ما يقتضي أنها يجاب بها الاستفهام المجرد ففي " صحيح البخاري " أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: " أترضون أن تكونوا رفع أهل الجنة؟ قالوا: بلى " وفي " صحيح مسلم " أنه صلى الله عليه وسلم قال: " أنت الذي لقيتني بمكة فقال له المجيب: بلى " وليس لهؤلاء أن يحتجوا بذلك لأنه قليل فلا يتخرج عليه التنزيل انتهى. وأجاب البدر الدماميني بأنه لا إشكال في الحقيقة فإن هؤلاء راعوا صورة النفي المنطوق به فيجاب ببلى حيث يراد إبطال النفي الواقع بعد الهمزة وجوزوا الجواب بنعم على أنه تصديق لمضمون الكلام جميعه الهمزة ومدخولها وهو إيجاب كما سلف ودعواه الاتفاق مناقش فيها أما إن أراد الإيجاب المجرد من النفي بالمرة فقد حكى الرضى الخلاف فيه، وذكر أن بعضهم أجاز استعمالها بعده تمسكا بقوله: وقد بعدت بالوصل بيني وبينها * بلى إن من زار القبور ليبعدا وإن أراد ما هو الأعم حتى يشمل التقرير المصاحب للنفي فالخلاف فيه موجود مشهور ذكره هو في حرف النون انتهى، ولا يخفى أن البيت شاذ كما صرح به الرضى، والمذكور في بحث النون أن جماعة من المتقدمين والمتأخرين منهم الشلوبين قالوا: إنه إذا كان قبل النفي استفهام فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرد وإن كان مرادا به التقرير فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي رعيا للفظه، ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب رعيا لمعناه وعلى ذلك قول الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم نعم وقد قال لهم: ألستم ترون لهم ذلك وقول جحدر: