تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٩
أو منصوب على جواب الاستفهام كما ينصب بعد الفاء، وعلى ذلك قول الحطيئة: ألم أك جارك ويكون بيني * وبينكم المودة والأخاء والمعنى كيف يكون الجمع بين تركك موسى عليه السلام وقومه مفسدين في الأرض وتركهم إياك الخ أي لا يمكن وقوع ذلك. وقرأ الحسن. ونعيم بن ميسرة بالرفع على أنه عطف على (تذر) أو استئناف أو حال بحذف المبتدأ، أي وهو يذرك لأن الجملة المضارعية لا تقترن بالواو على الفصيح، والجملة على تقدير الاستئناف معترضة مؤكدة لمعنى ما سبق، أي تذره وعادته وتركك، ولا بد من تقدير هو على ما قال الطيبي كما في احتمال الحال ليدل على الدوام، وعلى تقدير الحالية تكون مقررة لجهة الإشكال. وعن الأشهب أنه قرأ بسكون الراء، وخرج ذلك ابن جنى على أنه تركت الضمة للتخفيف كما في قراءة أبي عمرو * (يأمركم) * بإسكان الراء استقلالا للضمة عند توالي الحركات، واختاره أبو البقاء، وقيل: إنه عطف على ما تقدم بحسب المعنى، ويقال له في غير القرآن عطف التوهم، كأنه، قيل: يفسدوا ويذرك كقوله تعالى: * (فأصدق وأكن من الصالحين) * (المنافقين: 10) * (وءالهتك) * أي معبوداتك. يروى أنه كان يعبد الكواكب فهي آلهته وكان يعتقد أنها المربية للعالم السفلى مطلقا وهو رب النوع الإنساني، وعن السدي أن فرعون كان قد اتخذ لقومه أصناما وأمرهم بأن يعبدوها تقربا إليه، ولذلك قال: * (أنا ربكم الأعلى) * (النازعات: 24) وقيل: إنه كانت له بقرة يعبدها وكان إذا رأى بقرة حسنة أمر قومه بعبادتها، ولذلك أخرج السامري لبني إسرائيل عجلا وهو رواية ضعيفة عن ابن عباس، وقال سليمان التيمي: بلغني أنه كان يجعل في عنقه شيئا يعبده، وأمر الجمع عليه يحتاج إلى عناية وقرأ ابن مسعود. والضحاك. ومجاهد. والشعبي و * (إلهتك) * كعبادتك لفظا ومعنى فهو مصدر.
وأخرج غير واحد عن ابن باس أنه كان ينكر قراءة الجمع بالجمع ويقرأ بالمصدر ويقول: إن فرعون كان يعبد ولا يعبد، ألا ترى قوله: * (ما علمت لكم من إله غيري) * (القصص: 38) ومن هنا قال بعضهم: الأقرب أنه كان دهريا منكرا للصانع، وقيل: الآلهة اسم للشمس وكان يعبدها؛ وأنشد أبو علي: وأعجلنا الآلهة أن تؤبا * (قال) * مجيبا لهم * (سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم) * كما كنا نفعل بهم ذلك من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده.
وقرأ ابن كثير. ونافع (سنقتل) بالتخفيف والتضعيف كما في موتت الإبل.
* (وأنا فوقهم ق‍اهرون) * أي غالبون كما كنا لم يتغير حالنا وهم مقهورون تحت أيدينا، وكان فرعون قد انقطع طمعه عن قتل موسى عليه السلام فلم يعد الملأ بقتله لما رأى من علو أمره وعظم شأنه وكأنه لذلك لم يعد بقتل قومه أيضا، والظاهر على ما قيل: إن هذا من فرعون بيان لأنهم لا يقدرون على أن يفسدوا في الأرض وإيذان بعدم المبالاة بهم وأن أمرهم فيما بعد كأمرهم فيما قبل وأن قتلهم عبث لا ثمرة فيه، وذكر الطيبي أنه من الأسلوب الحكيم وإن صدر من الأحمق، وأن الجملة الاسمية كالتذليل لما قبلها فافهم.
* (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشآء من عباده والع‍اقبة للمتقين) *.
* (قال موسى لقومه) * تسلية لهم حين تضجروا مما سمعوا بأسلوب حكيم * (استعينوا بالله واصبروا) * على ما سمعتم من الأقاويل الباطلة * (إن الأرض لله) * أي أرض مصر أو الأرض مطلقا وهي داخلة فيها دخولا أوليا
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»