* (يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) * الذين أنتم منهم، وحاصله أنه ليس الأمر كما قال فرعون: * (إنا فوقهم قاهرون) * (الأعراف: 127) فإن القهر والغلبة لمن صبر واستعان بالله ولمن وعده الله تعالى توريث الأرض وأنا ذلكم الموعود الذي وعدكم الله تعالى النصرة به وقهر الأعداء وتوريث أرضهم، وقوله: * (والعاقبة) * الخ تقرير لما سبق.
وقرأ أبي. وابن مسعود * (والعاقبة) * بالنصب عطفا على اسم أن.
* (قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الارض فينظر كيف تعملون) *.
* (قالوا) * أي قوم موسى له عليه السلام * (أوذينا) * من جهة فرعون * (من قبل أن تأتينا) * بالرسالة يعنون بذلك قتل الجبار أولادهم قبل مولده. وبعده إذ قيل له: يولد لبني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويكون هلاكك على يديه * (ومن بعدما جئتنا) * أي رسولا يعنون به ما توعدهم به من إعادة قتل الأبناء وسائر ما كان يفعل بهم لعداوة موسى عليه السلام من فنون الجور والعذاب، وقيل: إن نفس ذلك الإيعاد إيذاء، وقيل: جعل إيعاده بمنزلة فعله لكونه جبارا.
وقيل: أرادوا الإيذاء بقتل الأبناء قبل مولد موسى عليه السلام وبعد مولده، وقيل: المراد ما كانوا يستعبدون به ويمتهنون فيه من أنواع الخدم والمهن، وتعقب بأن ذلك ليس مما يلحقهم بواسطة موسى عليه السلام فليس لذكره كثير ملاءمة بالمقام، والظاهر أنه لا فرق بين الاتيان والمجيء وإن الجمع بينهما للتفنن والبعد عن التكرار اللفظي فإن الطباع مجبولة على معاداة المعادات، ولذلك جيء بأن المصدرية أولا وبما أختها ثانيا.
وذكر الجلال اليوطي في الفرق بينهما أن الإتيان يستعمل في المعاني والأزمان والمجيء في الجواهر والأعيان وهو غير ظاهر هنا إلا أن يتكلف، ونقل عن الراغب في الفرق بينهما أن الاتيان هو المجيء بسهولة فهو أخص من مطلق المجيء وهو كسابقه هنا أيضا، وهذا منهم جار مجري التحزن لعدم الاكتفاء بما كنى لهمعليه السلام لفرط ما عراهم وفظاعة ما اعتراهم، والمقام يقتضي الإطناب فإن شأن الحزين الشاكي إطالة الكلام رجاء أن يطفىء بذلك بعض الأوام، وقيل: هو استبطاء منهم لما وعدهم عليه السلام أن النجاة والطفر والأول أولى فقوله تعالى: * (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم) * الذي فعل بكم ما فعل وتوعدكم بما توعد. * (ويستخلفكم) * أي يجعلكم خلفاء * (في الأرض) * أي أرض مصر تريح بما كنى عنه وتوكيد للتسلية على إبلغ وجه، وفيه إدماج معنى من عادي أولياء الله تعالى فقد بارزه بالمحاربة وحق له الدمار والخسار. وعسى في مثله قطع في إنجاز الموعود والفوز بالمطلوب، ونص غير واحد على التعبير به للجري على سنن الكرماء.
وقيل: تأدبا مع الله تعالى وإن كان الأمر مجزوما به بوحي وإعلام منه سبحانه وتعالى، وقيل: إن ذلك لعدم الجزم منه عليه السلام بأنهم المستخلفون بأعيانهم أو أولادهم، فقد روى أن مصر إنما فتحت في زمن داود عليه السلام.
وتعقب بأنه لا يساعده قوله تعالى: * (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها) * (الأعراف: 137) فإن المتبادر استخلاف المستضعفين أنفسهم لا استخلاف أولادهم، والمجاز خلاف الأصل. نعم المشهور أن بني إسرائيل بعد أن خرجوا مع موسى عليه السلام من مصر لم يرجعوا إليها في حياته، وفي قوله سبحانه: * (فينظر) * أي يرى أو يعلم * (كيف تعملون) * أحسنا أم قبيحا فيجازيكم حسبما يظهر منكم من الأعمال إرشاد لهم