تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٥٥
بين العصر إلى غروب الشمس - فهو جمع الجمع وليس للقلة وليس جمعا لأصيل لأن فعيلا لا يجمع على أفعال، وقل: إنه جمع له لأنه قد يجمع عليه كيمين وأيمان، وقيل: إنه جمع لأصل مفردا كعنق ويجمع على أصلان أيضا، والجار متعلق باذكر، وخص هذان الوقتان بالذكر قيل لأن الغدوة عندها ينقلب الحيوان من النوم الذي هو كالموت إلى اليقظة التي هي كالحياة، والعالم يتحول من الظلمة التي هي طبعة عدمية إلى النور الذي هو طبيعة وجودة، وفي الأصل الأمر بالعكس، أو لأنهما وقتا فراغ فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب، وقيل: لأنهما وقتان يتعاقب فيهما الملائكة على ابن آدم، وقيل: ليس المراد التخصيص بل دوام الذكر واتصاله أي اذكر كل وقت.
وقرأ أبو مجاز لاحق بن حميد السدوسي * (والإيصال) *، وهو مصدر آصل إذ ادخل في الأصيل وهو مطابق لغدو بناء على القول بإفراده ومصدريته فتذكر * (ولا تكم من الغ‍افلين) * عن ذكر الله تعالى.
* (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) *.
* (إن الذين عند ربك) * وهم ملائكة الملأ الأعلى، فالمراد من العندية القرب من الله تعالى بالزلفى والرضا لا المكانية لتنزه الله تعالى عن ذلك، وقيل: المراد عند عرش ربك * (لا يستكبرون عن عبادته) * بل يؤدونها حسبما أمروا به * (ويسبحونه) * أي ينزعونه عما لا يليق بحضرة كبريائه على أبلغ وجه * (وله يسجدون) * أي ويخصونه بغاية العبودية والتذلل لا يشركون به غيره جل شأنه، وهو تعريض بمن عداهم من المكلفين كما يدل عليه تقديم * (له) * وجازات يؤخذ من مجموع الكلام كما آثره العلامة الطيبي لأنه تعليل للسابق على معنى ائتوا بالعبادة على وجه الاخلاص كما أمرتم فإن لم تأتوا بها كذلك فإنا مغنون عنكم وعن عبادتكم ان لنا عبادا مكرمين من شأنهم كذا وكذا فالتقديم على هذا للفاصلة، ولما في الآية من التعريض شرع السجود عند هذه الآية ارغاما لمن أبى ممن عرض به. قيل: وقد جاء الأمر بالسجدة لآية أمر فيها بالسجود امتثالا للأمر، أو حكي فيها استنكاف الكفرة عنه مخالفة لهم، أو حكى فيها سجود نحو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تأسيا بهم، وهذا من القسم الثاني باعتبار التعريض أو من القسم الأخير باعتبار التصريح، وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده لذلك كما روي ابن أبي شيبة عن ابن عمر " اللهم لك سجد سوادي وبك آمن فؤادي اللهم ارزقني علما ينفعني وعملا يرفعني " وأخرج أحمد. وأبو داود. والترمذي وصححه عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل مرارا " سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته فتبارك الله أحسن الخالقين " وجاء عنها أيضا " ما من مسلم سجد لله تعالى سجدة إلا رفعه الله تعالى بها درجة أو حط عنه بها خطيئة أو جمعهما له كلتيهما " وأخرج مسلم. وابن ماجه. والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قرأ ابن ردم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار، واستدل بالآية على أن إخفاء الذكر أفضل، ويوافق ذلك ما أخرجه أحمد من قوله صلى الله عليه وسلم: " خير الذكر الخفي " وهي ناعية على جهلة زماننا من المتصوفة ما يفعلونه مما يستقبح شرعا وعقلا وعرفا فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (هو الذي خلقكم من نفس واحدة) * وهي الروح * (وجعل منها زوجها
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»