تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٥٤
هنا قال بعض الأصحاب: يستحب لمريد قراءته خارج الصلاة أن يلبس أحسن ثيابه ويتعمم ويستقبل القبلة تعظيما له، ومثله في ذلك العلم، ولو قرأ مضطجعا فلا بأس إذ هو نوع من الذكر. وقد مدح سبحانه ذاكريه قياما وقعودا وعلى جنوبهم وضم رجليه عند القراءة ولا يمدها لأنه سوء أدب ولو قرأ ماشيا أو عند النسج ونحوه من الأعمال فإن كان القلب حاضرا غير مشتغل لم يكره وإلا كره، ولا يقرأ وهو مكشوف العورة أو كان بحضرته من هو كذلك. وإن كانت زوجته، وكره بعضهم القراءة في الحمام والطريق. قال النووي: ومذهبنا لا تكره فيهما، وتكره في الحش وبيت الرحى وهي تدور عند الشعبي وهو مقتضى مذهبنا، والكلام في آداب القراءة وما ينبغي للقارىء طويل. وفي الإتقان قدر له قدر من ذلك فإن كان عندك فارجع إليه.
والجملة على ما يدل عليه كلامهم يحتمل أن تكون من القول المأمور به ويحتمل أن تكون استئنافا من جهته تعالى، قيل: وعلى الأول [بم فقوله سبحانه وتعالى:
* (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والاصال ولا تكن من الغ‍افلين) *.
* (واذكر ربك في نفسك) * عطف على قل، وعلى الثاني فيه تجريد الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عام لكل ذكر فإن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب من القبول، وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى: * (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) * وقال الإمام: المراد بالذكر في نفسه أن يكون عارفا بمعان الإذكار الت قولها بلسانه مستحضرا لصفات الكمال والعز والعظمة والجلال، وذلك لأن الذكر باللسان عاريا عن الذكر بالقلب كأنه عديم الفائدة، بل ذكر جمع أن الذكر اللساني الساذج لا ثواب فيه أصلا، ومن أتى بالكلمة الطيبة غير ملاحظ معناها أو جاهلا به لا عد مؤمنا عند الله تعالى، وقيل: الخطاب لمستمع القرآن والذكر القرآن، والمراد أمر المأموم بالقراءة سرا بعد فراغ الإمام عن قراءته وفيه بعد ولو التزم قول الإمام، وقوله سبحانه وتعالى: * (تضرعا وخيفة) * في موضع الحال بتأويل اسم الفاعل أي متضرعا وخائفا، أو بتقدير مضاف أي ذا تضرع وخيفة، وكونه مفعولا لأجله غير مناسب. وجوز بعضهم كون ذلك مصدرا لفعل من غر المذكور وليس بشيء، وأصل خيفة خوفة، ودون في قوله تعالى: * (ودون الجهر من القول) * صفة لمعمول حال محذوفة أي ومتكلما كلاما دون الجهر لأن دون لا تتصرف على المشهور؛ والعطف على تضرعا، وقيل: لا حاجة إلى ما ذكر والعطف على حاله، والمراد اذكره متضرعا ومقتصدا. وقيل: إن العطف على قوله تعالى: * (في نفسك) * لكن على معنى اذكره ذكرا في نفسك وذكرا بلسانك دون الجهر، والمراد بالجهر رفع الصوت المفرط وبما دونه نوع آخر من الجهر. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هو أن يسمع نفسه وقال الإمام: المراد أن يقع الذكر متوسطا بين الجهر والمخافتة كما قال تعالى: * (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) * (الإسراء: 110) ويشعر كلام ابن زد أن المراد بالجهر مقابل الذكر في النفس، والآية عنده خطاب للمأموم المأمور بالإنصات أي اذكر ربك أيها المنصت في نفسك ولا تجهر بالذكر * (بالغدو) * جمع غدوة كما في " القاموس "، وفي " الصحاح " الغدو نقيض الرواح وقد غدا يغدو غدوا. وقوله تعالى: * (بالغدو) * أي بالغدوات جمع غدوة وهي ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، فعبر بالفعل عن الوقت كما يقال: أتيتك طلوع الشمس أي وقت طلوعها، وهو نص في أن الغدو مصدر لا جمع، وعليه فقد يقدر معه مضاف مجموع أي أوقات الغدو ليطابق قوله سبحانه وتعالى: * (والآصال) * وهو كما قال الأزهري جمع أصل، وأصل جمع أصيل - أعني ما
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»