تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٩ - الصفحة ١٦٦
على ما ذهب إليه القلانسي وجماعة من السلف، وبما رواه الفقيه أبو الليث السمرقندي في تفسيره عن محمد بن الفضل. وأبي القاسم الساباذي عن فارس بن مردويه عن محمد بن الفضل بن العابد عن يحيى بن عيسى عن أبي مطيع عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله الايمان يزيد وينقص؟ فقال: لا. الايمان مكمل في القلب زيادته ونقصانه كفر ".
وأجابوا عما تمسك به الأولون من الآيات والأحاديث بأن الزيادة بحسب الدوام والثبات وكثرة الزمان والساعات. وإيضاحه ما قاله إمام الحرمين: أن النبي صلى الله عليه وسلم يفضل من عداه باستمرار تصديقه وعصمة الله تعالى إياه من مخامرة الشكوك والتصديق عرض لا يبقى بشخصه زمانين بل بتجدد أمثاله فتقع للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره متوالية فيثبت له صلى الله عليه وسلم أعداد من الايمان لا يثبت لغيره إلا بعضها فيكون إيمانه أكثر. واعترض هذا بأن حصول المثل بعد انعدام الشيء لا يكون زيادة فيه ودفع بأن المراد زيادة إعداد حصلت وعدم البقاء لا ينافي ذلك، وأجابوا أيضا بأن المراد الزيادة بحسب زيادة ما يؤمن به، والصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا آمنوا في الجملة وكانت الشرعية غير تامة والأحكام تتنزل شيئا فشيئا فكانوا يؤمنون بكل ما يتجدد منها ولا شك في تفاوت إيمان الناس بملاحظة التفاصيل كثرة وقلة ولا يختص ذلك بعصر النبوة لإمكان الإطلاع عليها في غيره من العصور وبأن المراد زيادة ثمرته وإشراق نوره في القلب فإن نوره يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، ولا يخفى أن الحجة الأولى يعلم جوابها مما ذكرناه أولا، وأما الحجة الثانية التي ذكرها أبو الليث فمما لا يعول عليها عند الحفاظ أصلا لأن رجال السند إلى أبي مطيع كلهم مجهولون لا يعرفون في شيء من كتب التواريخ المشهورة، وأما أبو مطيع وهو الحكم بن عبد الله بن مسلمة البلخي فقد ضعفه أحمد بن حنبل. ويحيى بن معين. وعمرو بن علي الفلاس. والبخاري. وأبو داود. والنسائي. وحاتم الرازي. وأبو حاتم محمد بن حبان البستي. والعقيلي. وابن عدي. والدارقطني وغيرهم.
وأما أبو المهمز وقد تصحف على الكتاب؛ واسمه يزيد بن سفيان فقد ضعفه أيضا غير واحد وتركه شعبة بن الحجاج، وقال النسائي: متروك، وقد اتهمه شعبة بالوضع حيث قال: لو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثا، ومن مارس الأحاديث النبوية لا يشك في أن ذلك اللفظ ليس منها في شيء، وما ذكره إمام الحرمين على ما فيه مبني على تجدد الأعراض وعدم بقائها زمانين، والمسألة خلافية، ودون إثبات ذلك خرط القتاد.
وما أجابوا به أولا: من أن زيادة الايمان بحسب زيادة المؤمن به مع كونه خلاف الظاهر ولا داعي إليه عند المنصف لا يكاد يتأتى في قوله تعالى: * (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا) * (آل عمران: 173) وقوله تعالى: * (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * (الفتح: 4) إذ ليس هناك زيادة مشروع يحصل الايمان به ليقال: إن زيادة الايمان بحسب زيادة المؤمن به، وحال الجواب الثاني: لا يخفى عليك.
وذهب جماعة منهم الإمام الرازي وإمام الحرمين في قول إلى أن الخلاف في زيادة الايمان ونقصانه وعدمهما لفظي وهو فرع تفسير الايمان، فمن فسره بالتصديق قال: إنه لا يزيد ولا ينقص، ومن فسره بالأعمال مع التصديق قال: إنه يزيد وينقص، وعلى هذا قول البخاري: لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار فما رأيت أحدا منهم يختلف في أن الايمان قول وعمل ويزيد وينقص، وهو المعنى بما
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»