وقوله سبحانه وتعالى: * (يمدونهم في الغي) * خبره، والضمير المرفوع للشياطين والمنصوب للمبتدأ، أي تعاونهم الشياطين في الضلال وذلك بأن يزينوه لهم ويحملوهم عليه، والخبر على هذا جار على غير من هو له وفي أنه هل يجب إبراز الضمير أولا يجب في مثل ذلك خلاف بين أهل القريتين كالصفة المختلف فيها بينهم، وقيل: إن الضمير الأول للإخوان والثاني للشياطين، والمعنى وإخوان الشياطين يمدون الشياطين بالاتباع والامتثال، وعلى هذا يكون الخبر جاريا على من هو له، والجار والمجرور متعلق بما عنده، وجوز أن يكون في موضع الحال من الفاعل أو من المفعول. وقرأ نافع * (يمدونهم) * بضم الياء وكسر الميم من الإمداد والجمهور على فتح الياء وضم الميم. قال أبو علي في الحجة بعد نقل ذكر ذلك: وعامة ما جاء في التنزيل مما يحمد ويستحب أمددت على أفعلت كقوله تعالى: * (إنما نمدهم به من مال وبنين) * (المؤمنون: 55) * (وأمددناهم بفاكهة) * (الطور: 22) و * (أتمدونني بمال) * (النمل: 36) وما كان بخلافه على مددت قال تعالى: * (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) * وهكذا يتكلمون بما يدل على أن الوجه فتح الياء كما ذهب إليه الأكثر، ووجه قراءة نافع أنه مثل * (فبشرهم بعذاب أليم) * (آل عمران: 21) * (فسنيسره للعسرى) * (الليل: 10) وقرأ الجحدري (يمادونهم) * من باب المفاعلة وهي هنا مجازية كأنهم كان الشاطين يعينونهم بالإغراء وتهوين المعاصي عليهم وهؤلاء يعينون الشياطين بالاتباع والامتثال * (ثم لا يقصرون) * أي لا يمسكون ولا يكفون عن إغوائهم حتى يردوهم بالكلية فهو من أقصر إذا أقلع وأمسك كما في قوله: سما لك شوق بعد ما كان أقصرا وجوز أن يكون الضمير للإخوان. وروي ذلك عن ابن عباس. والسدي وإليه ذهب الجبائي، أي ثم لا يكف هؤلاء عن الغي ولا يقصرون كالمتقين، وجوز أيضا أن يراد بالإخوان الشياطين وضمير الجمع المضاف إليه أولا والمفعول ثانيا والفاعل ثالثا يعود إلى الجاهلين في قوله سبحانه وتعالى: * (وأعرض عن الجاهلين) * أي وإخوان الجاهلين وهم الشياطين يمدون الجاهلين في الغي ثم لا يقصر الجاهلون عن ذلك، والخبر على هذا أيضا جار على ما هو له كما في بعض الأوجه السابقة والأول أولى رعاية للمقابلة. وقرأ عيسى بن عمر * (يقصرون) * بفتح الياء وضم الصاد من قصر وهو مجاز عن الإمساك أيضا.
* (وإذا لم تأتهم بااية قالوا لولا اجتبيتها قل إنمآ أتبع ما يوحى إلى من ربى هاذا بصآئر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) *.
* (وإذا لم تأتهم بآية) * من القرآن عند تراخي الوحي كما روي عن مجاهد. وقتادة. والزجاج، أو بآية مقترحة كما روي عن ابن عباس. والجبائي. وأبي مسلم * (قالوا لولا اجتبيتها) * أي هلا جمعتها ولفقتها من عند نفسك افتراء، أو هلا أخذتها من الله تعالى بطلب منه، وهو تهكم منهم لعنهم الله تعالى، ومما ذكرنا علم أن لاجتبى معنيين جمع وأخذ ويختلف المراد حسب الاختلاف في تفسير الآية، وعن علي بن عيسى أن الاجتباء في الأصل الاستخراج ومنه جباية الخراج، وقيل: أصله الجمع من جبيت الماء في الحوض جمعته، ومنه قيل للحوض جابية لجمعه الماء، وإلى هذا ذهب الراغب، وف " الدر المصون " جبى الشيء جمعه مختارا ولذا غلب اجتبيته بمعنى اخترته.
وقال الفراء يقال اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك وكذا اخترعته عند أبي عبيدة، وقال ابن زيد: هذه الأحرف تقولها العرب للكلام يبتديه الرجل لم يكن أعده قبل ذلك في نفسه، ومن جعل الأصل شيئا لا ينكر الاستعمال في الآخر مجازا كما لا يخفى * (قل) * ردا عليهم * (إنما اتبع ما يوحى إلي من ربي) * من غير أن يكون لي دخل ما في ذلك أصلا على معنى تخصيص حاله عليه الصلاة والسلام باتباع ما يوحى إليه بتوجيه القصر إلى نفس الفعل بالنسبة إلى مقابله الذي كلفوه إياه عليه الصلاة والسلام لا على معنى تخصيص اتباعه صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه