تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٩٧
يقدر مؤخرا أي لمن اتبعك هذا الوعيد. ودل على قوله سبحانه: * (لأملان) * الخ، ولعل ذلك مراد الزمخشري بقوله: أن * (لأملان) * في محل المبتدأ و * (لمن تبعك) * خبره كما يرشد إليه بيان المعنى. و * (منكم) * بمعنى منك ومنهم فغلب فيه المخاطب كما في قوله سبحانه: * (أنتم قوم تجهلون) * (النحل: 55) ثم إن الظاهر أن هذه المخاطبات لأبليس عليه اللعنة كانت منه عز وجل من غير واسطة وليس المقصود منها الإكرام والتشريف بل التعذيب والتعنيف، وذهب الجبائي إلى أنها كانت بواسطة بعض الملائكة لأن الله تعالى لا يكلم الكافر وفيه نظر.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (المص) * (الأعراف: 1) الألف إشارة إلى الذات الأحدية واللام إلى الذات مع صفة العلم والميم إلى معنى محمد وهي حقيقته والصاد إلى صورته عليه الصلاة والسلام. وقد يقال: الألف إشارة إلى التوحيد والميم إلى الملك واللام بينهما واسطة لتكون بينهما رابطة والصاد لكونه حرفا كري الشكل قابلا لجميع الأشكال كما قال الشيخ الأكبر قدس سره: فيه إشارة إلى أن الأمر وإن ظهر بالأشكال المختلفة والصور المتعددة أوله وآخره سواء، ولا يخفى لطف افتتاح هذه السورة بهذه الأحرف بناء على ما ذكره الشيخ قدس سره في " فتوحاته " من أن لكل منها ما عدا الألف الأعراف وأما الألف فقد ذكر نفعنا الله تعالى ببركات علومه أنه ليس من الحروف عند من شم رائحة من الحقائق لكن قد سمته العامة حرفا فإذا قال المحقق ذلك فإنما هو على سبيل التجوز في العبادة والله تعالى أعلم بحقيقة الحال * (كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه) * أي ضيق من حمله فلا تسعه لعظمه فتتلاشى بالفناء والوحدة والاستغراق في عين الجمع * (لتنذر به وذكر للمؤمنين) * (الأعراف: 2) أي ليمكنك الإنذار والتذكير إذ بالاستغراق لا ترى إلا الحق فلا يتأتى منك ذلك * (وكم من قرية) * من قرى القلوب * (أهلكناها) * أفسدنا استعدادها * (فجاءها بأسنا بياتا) * أي بائتين على فراش الغفلة في ليل الشباب * (أو هم قائلون) * (الأعراف: 4) تحت ظلال الأمل في نهار المشيب * (والوزن يومئذ الحق) * (الأعراف: 8) هو عند كثير من الصوفية اعتبار الأعمال. وذكروا أن لسان ميزان الحق هو صفة العدل وإحدى كفتيه هو عالم الحس والكفة الأخرى هو عالم العقل فمن كانت مكاسبه من المعقولات الباقية والأخلاق الفاضلة والأعمال الخيرية المقرونة بالنية الصادقة ثقلت أي كانت ذا قدر وأفلح هو أي فاز بالنعيم الدائم ومن كانت مقتنياته من المحسوسات الفانية واللذات الزائلة والشهوات الفاسدة والأخلاق الرديئة خفت ولم يعتن بها وخسر هو نفسه لحرمانه النعيم هلاكه * (ولقد مكناكم في الأرض) * إذ جعلناكم خلفاء فيها * (وجعلنا لكم فيها معايش) * متعددة دون غبركم فإن له معيشة واحدة، وذلك لأن الإنسان فيه ملكية وحيوانية وشيطانية فمعيشة روحه معيشة الملك ومعيشة بدنه معيشة الحيوان ومعيشة نفسه الأمارة معيشة الشيطان. وله معايش غير ذلك وهي معيشة القلب بالشهود ومعيشة السر بالكشوف ومعيشة سر السر بالوصال * (قليلا ما تشكرون) * (الأعراف: 10) ولو شكرتم ما رضيتم بالدون. * (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) * أي ابتدأنا ذلك بخلق آدم عليه السلام وتصويره * (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) * فإنه المظهر الأعظم، وفي الخبر " خلق الله آدم على صورته "، وفي رواية " على صورة الرحمن " * (فسجدوا) * وانقادوا للحق * (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) * (الأعراف: 11) لنقصان بصيرته * (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) * (الأعراف: 12) أراد اللعين أنه من الحضرة الروحانية وأن آدم عليه السلام ليس كذلك * (قال فاهبط منها) * أي من تلك الحضرة * (فما يكون لك أن تتكبر فيها) * لأن الكبر ينافيها * (فاخرج إنك من الصاغرين) * (الأعراف: 13) الأذلاء بالميل إلى مقتضيات النفس
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»