أكثري، والقراءة بهما تدل على قطع النظر عن الفرق، وليس إشارة إلى المعنيين باعتبار إنزاله إلى السماء الدنيا ثم إنزاله إلى الأرض لأن إنزاله دفعة إلى السماء على ما قيل لا يعلمه أهل الكتاب.
* (فلا تكونن من الممترين) * أي المترددين في أنهم يعلمون ذلك لما لا يشاهد منهم آثار العلم وأحكام المعرفة، فالفاء لترتيب النهي على الإخبار بعلم أهل الكتاب أو في أنه منزل من ربك بالحق فليس المراد حقيقة النهي له صلى الله عليه وسلم عن الإمتراء في ذلك بل تهييجه وتحريضه عليه الصلاة والسلام كقوله سبحانه: * (ولا تكونن من المشركين) * (الأنعام: 14) ويحتمل أن يكون الخطاب في الحقيقة للأمة على طريق التعريض وإن كان له عليه الصلاة والسلام صورة، وأن يكون لكل أحد ممن يتصور منه الإمتراء بناء على ما تقرر أن أصل الخطاب أن يكون مع معين وقد يترك لغيره كما في قوله سبحانه: * (ولو ترى إذ المجرمون) * (السجدة: 12) والفاء على هذه الأوجه لترتيب النهي على نفس علمهم بحال القرآن.
* (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) *.
* (وتمت كلمة ربك) * شروع في بيان كمال القرآن من حيث ذاته إثر بيان كماله من حيث إضافته إليه عز وجل بكونه منزلا منه سبحانه بالحق وتحقيق ذلك بعلم أهل الكتابين به، " وتمام الشيء - كما قال الراغب - انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شيء خارج عنه ". والمراد بالكلمة وأريد به - كما قال قتادة وغيره - القرآن، وإطلاقها عليه إما من باب المجاز المرسل أو الاستعارة وعلاقتها تأبى أن تطلق الكلمة على الجملة غير المفيدة وعلاقته لا لكن لم يوجد في كلامهم ذلك الإطلاق، واختير هذا التعبير لما فيه من اللطافة التي لا تخفى على من دقق النظر. وقال البعض لما أن الكلمة هي الأصل في الاتصاف بالصدق والعدل وبها تظهر الآثار من الحكم. وعن أبي مسلم أن المراد بالكلمة دين الله تعالى كما في قوله سبحانه: * (وكلمة الله هي العليا) * (التوبة: 40). وقيل: المراد بها حجته عز وجل على خلقه والأول هو الظاهر. وقرأ بالتوحيد عاصم وحمزة وعلي وخلف وسهل ويعقوب، وقرأ الباقون * (كلمات ربك) *.
* (صدقا وعدلا) * مصدران نصبا على الحال من * (ربك) * أو من * (كلمت) * كما ذهب إليه أبو علي الفارسي. وجوز أبو البقاء نصبهما على التمييز وعلى العلة؛ والصدق في الأخبار والمواعيد منها في المشهور والعدل في الأقضية والأحكام * (لا مبدل لكلماته) * استئناف مبين لفضلها على غيرها إثر بيان فضلها في نفسها. وقال بعض المحققين: إنه سبحانه لما أخبر بتمام كلمته وكان التمام يعقبه النقص غالبا كما قيل: إذا تم أمر بدا نقصه * توقع زوالا إذا قيل تم ذكر هذا احتراسا وبيانا لأن تمامها ليس كتمام غيرها. وجوز أن يكون حالا من فاعل * (تمت) * على أن الظاهر مغن عن الضمير الرابط. قال أبو البقاء: ولا يجوز أن يكون حالا من ربك لئلا يفصل بين الحال وصاحبها بأجنبي وهو * (صدقا وعدلا) * إلا أن يجعلا حالين منه أيضا. والمعنى لا أحد يبدل شيئا من كلماته بما هو أصدق وأعدل منه ولا بما هو مثله فكيف يتصور ابتغاء حكم غيره تعالى. والمراد بالأصدق الأبين والأظهر صدقا فلا يرد أن الصدق لا يقبل الزيادة والنقص لأن النسبة إن طابقت الواقع فصدق وإلا فكذب.
وذكر الكرماني في حديث " أصدق الحديث " الخ أنه جعل الحديث كمتكلم فوصف به كما يقال زيد أصدق من غيره والمتكلم يقبل الزيادة والنقص في ذلك، وقيل: المعنى لا يقدر أحد أن يحرفها شائعا كما فعل بالتوراة فيكون هذا ضمانا منه سبحانه بالحفظ كقوله جل وعلا: * (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) * (الحجر: 9) أو لا نبي