تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٦
الصلاة والسلام باعتبار انفهام ذلك مما تقدم وأمر الأفراد سهل، وقيل: إنه عائد إلى ما ذكر من معاداة الأنبياء عليهم السلام، وإيحاء الزخارف أعم من أن تكون في أمره صلى الله عليه وسلم وأمور إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وفيه أن قوله تعالى: * (فذرهم وما يفترون) * كالصريح في أن المراد بهم الكفرة المعاصرون له عليه الصلاة والسلام، وقيل: هو عائد إلى الإيحاء أو الزخرف أو الغرور، وفي أخذ ذلك عاما أو خاصا احتمالان لا يخفى الأولى منهما، ومفعول المشيئة محذوف أي عدم ما ذكر ولا إشكال في جعل العدم الخاص متعلق المشيئة، وقدره بعضهم إيمانهم. واعترض بأن القاعدة المستمرة أن مفعول المشيئة عند وقوعها شرطا يكون مضمون الجزاء كما في " علم المعاني " وهو هنا * (ما فعلوه) * وتعقب بأنه ههنا ذكر المشيئة فيما تقدم متعلقا بشيء وهو الإيمان كما أشير إليه ثم ذكر في حيز الشرط بدون متعلق فالظاهر أنه يجوز أن يقدر متعلقه مضمون الجزاء وأن يقدر ما علق به فعل المشيئة سابقا، ولا بأس بمراعاة كل من الأمرين بحسب ما يقتضيه الحال. والمذكور في المعاني إنما هو فيما لم يتكرر فيه فعل المشيئة ولم يكن قرينة غير الجزاء فليعرف ذلك فإنه بديع، والأولى عندي اعتبار مضمون الجزاء مطلقا، وإنما قال سبحانه هنا * (ولو شاء ربك ما فعلوه) * (الأنعام: 137) وفيما يأتي * (ولو شاء الله ما فعلوه) * فغاير بين الإسمين في المحلين لما ذكر بعضهم وهو أن ما قبل هذه الآية من عداوتهم له عليه الصلاة والسلام كسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي لو شاء منعهم عنها فلا يصلون إلى المضرة أصلا يقتضي ذكره جل شأنه بهذا العنوان إشارة إلى أنه مربيه صلى الله عليه وسلم في كنف حمايته وإنما لم يفعل سبحانه ذلك لأمر اقتضته حكمته، وأما الآية الأخرى فذكر قبلها إشراكهم فناسب ذكره عز اسمه بعنوان الألوهية التي تقتضي عدم الاشتراك فكأنه قيل ههنا: إذا كان ما فعلوه من أحكام عداوتك من فنون المفاسد بمشيئة ربك جل شأنه الذي لم تزل في كنف حمايته وظل تربيته فاتركهم وافتراءهم أو وما يفترونه من أنواع المكايد ولا تبال به فإن لهم في ذلك عقوبات شديدة ولك عواقب حميدة لابتناء مشيئته سبحانه على الحكم البالغة ألبتة.
* (ولتصغىإليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالاخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون) *.
* (ولتصغى إليه) * أي إلى زخرف القول، وقيل: الضمير للوحي أو للغرور أو للعداوة لأنها بمعنى التعادي، والواو للعطف وما بعدها عطف على * (غرورا) * (الأنعام: 112) بناء على أنه مفعول له فيكون علة أخرى للإيحاء وما في البين اعتراض، وإنما لم ينصب لفقد شرط النصب إذ الغرور فعل الموحي وصغو الأفئدة فعل الموحى إليه. وهو على الوجهين الأخيرين علة لفعل محذوف يدور عليه المقام أي وليكون ذلك جعلنا ما جعلنا. " وأصل الصغو - كما قال الراغب - الميل يقال: صغت الشمس والنجوم صغوا مالت للغروب وصغيت الإناء وأصغيته وأصغيت إلى فلان ملت بسمعي نحوه، وحكي صغوت إليه أصغو وأصغى صغوا وصغيا؛ وقيل: صغيت أصغى وأصغيت أصغي ". وفي " القاموس " " صغا يصغو ويصغي صغوا وصغى يصغي صغا وصغيا مال ". وذكر بعض الفضلاء أن هذا الفعل مما جاء واويا ويائيا فقيل: يصغو ويصغى؛ ويقال: في مصدره صغيا بالفتح والكسر. وزاد الفراء صغيا وصغوا بالياء والواو مشددتين، ويقال: إن أصغى مثله. والمراد هنا ولتميل إليه.
* (أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) * أي على الوجه الواجب. وخص عدم إيمانهم بها دون ما عداها من الأمور التي يجب الإيمان بها وهم بها كافرون - قال مولانا شيخ الإسلام - " إشعارا
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»