تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٤
غرضنا هنا سوى تحقيق أن عدم إيمان الكفار إنما هو لسوء استعدادهم الأزلي الغير المجعول المتبوع للعلم المتبوع للإرادة ليعلم منه ما في كلام الشهاب وغيره وقد حصل ذلك بتوفيقه تعالى عند من تأمل وأنصف.
* (إلا أن يشاء الله) * استثناء من أعم الأحوال فإن لوحظ أن جميع أحوالهم شاملة لحال تعلق المشيئة لهم فهو متصل وإن لم يلاحظ لأن حال المشيئة ليس من أحوالهم كان منقطعا أي لكن إن شاء الله تعالى آمنوا واستبعده أبو حيان، وقيل: هو استثناء من أعم الأزمان وهو خلاف الظاهر، والالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة أي ما كانوا ليؤمنوا بعد اجتماع ما ذكر من الأمور الموجبة للإيمان في حال من الأحوال إلا في حال مشيئته تعالى إيمانهم، والمراد بيان استحالة وقوع إيمانهم بناء على استحالة وقوع المشيئة كما يدل عليه السباق واللحاق.
* (ول‍اكن أكثرهم يجهلون) * استدراك من مضمون الشرطية بعد ورود الاستثناء، وضمير الجمع للمسلمين أو للمقسمين، والمعنى أن حالهم كما شرح ولكن أكثر المسلمين يجهلون عدم إيمانهم عند مجيء الآيات لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم فيتمنون مجيئها طمعا فيما لا يكون أو ولكن المشركين يجهلون عدم إيمانهم عند مجيء الآيات لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم حينئذ فيقسمون بالله تعالى جهد أيمانهم على ما لا يكاد يوجد أصلا. فالجملة على الأول: - كما قال بعض المحققين - مقررة لمضمون قوله تعالى * (وما يشعركم) * (الأنعام: 109) الخ على القراءة المشهورة، وعلى الثاني: بيان لمنشأ خطأ المقسمين ومناط أقسامهم على تلك القراءة أيضا وتقرير له على قراءة * (لا تؤمنون) * (الأنعام: 109) بالفوقانية، وكذا على قراءة * (وما يشعرهم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) *.
واستدل أهل السنة بالآية على أن الله تعالى يشاء من الكافر كفره وقرر ذلك بأنه سبحانه لما ذكر أنهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله تعالى إيمانهم دل على أنه جل شأنه ما شاء إيمانهم بل كفرهم. وأجاب عنه المعتزلة بأن المراد لا أن يشاء مشيئة قسر وإكراه، وعدم إيمانهم يستلزم عدم المشيئة القسرية وهي لا تستلزم عدم المشيئة مطلقا. واستدل بها الجبائي على حدوث مشيئته تعالى وإلا يلزم قدم ما دل الحس على حدوثه. وأهل السنة تفصوا عن ذلك بدعوى أن تعلقها بإحداث ذلك المحدث في الحال إضافة حادثة فتأمل جميع ذلك:
* (وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شي‍اطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شآء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون) *.
* (وكذالك جعلنا لكل نبي عدوا) * كلام مبتدأ مسوق لتسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم عما (كان) يشاهده من عداوة قريش وما بنوا عليها من الأقاويل والأفاعيل، وذلك إشارة إلى ما يفهم مما تقدم، والكاف في موضع نصب على أنه نعت لمصدر مؤكد لما بعده، والتقديم للقصر المفيد للمبالغة، و * (عدوا) * بمعنى أعداء كما في قوله: إذا أنا لم أنفع صديقي بوده * فإن عدوي لم يضرهم بغضي أي مثل ذلك الجعل في حقك حيث جعلنا لك أعداء يضادونك (ويضارونك) (1) ولا يؤمنون ويبغونك الغوائل (ويدبرون في إبطال أمرك مكايد) جعلنا لكل نبي تقدمك فعلوا معهم نحو ما فعل معك أعداؤك لا جعلا أنقص منه. وجعله الإمام على هذا الوجه عطفا على معنى ما تقدم من الكلام، ولعله ليس المراد منه العطف الإصطلاحي، وجوز أن يكون مرتبطا بقوله سبحانه: و * (كذلك زينا لكل أمة عملهم) * (الأنعام: 108) أي كما فعلنا ذلك جعلنا لكل نبي عدوا وفيه بعد.
وأيا ما كان فالآية ظاهرة فيما ذهب إليه أهل السنة من أنه تعالى خالق الشر كما أنه خالق الخير، وحملها على أن المراد بها وكما خلينا بينك وبين أعدائك كذلك فعلنا بمن قبلك من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأعدائهم
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»