تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٥٥
* (يا قوم اعبدوا الله) * وحده كما يدل عليه قوله تعالى: * (مالكم من إله غيره) * فإنه استئناف جار مجرى البيان للعبادة المأمور بها والتعليل لها أو للأمر كأنه قيل: خصوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئا إذ ليس لكم إله سواه. وقرىء * (غير) * بالحركات الثلاث كالذي قبل.
* (أفلا تتقون) * إنكار واستبعاد لعدم اتقائهم عذاب الله تعالى بعد ما علموا ما حل بقوم نوح عليه السلام، وقيل: الاستفهام للتقرير والفاء للعطف، وقد تقدم الكلام فيه آنفا وفي سورة هود (51) * (أفلا تعقلون) * (ولعله عليه السلام - كما قال شيخ الإسلام - خاطبهم بكل منهما و (قد) اكتفى بحكاية كل منهما في موطن عن حكايته في موطن آخر كما لم يذكر ههنا ما ذكر هناك من قوله: * (إن أنتم إلا مفترون) * (هود: 50) وقس على ذلك حال بقية ما ذكر وما لم يذكر من أجزاء القصة بل حال نظائره في سائر القصص لا سيما في المحاورات الجارية في الأوقات المتعددة). وقال غير واحد: إنما قيل ههنا: * (أفلا تتقون) * وفيما تقدم من مخاطبة نوح عليه السلام قومه * (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * (الأعراف: 59) لأن هؤلاء قد علموا بما حل بغيرهم من نظرائهم ولم يكن قبل واقعة قوم نوح عليه السلام واقعة، وقيل: لأن هؤلاء كانوا أقرب إلى الحق وإجابة الدعوة من قوم نوح عليه السلام وهذا دون * (إني أخاف عليكم) * الخ في التخويف، ويرشد إلى ذلك ما تقدم [بم مع قوله تعالى:
* (قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الك‍اذبين) *.
* (قال الملأ الذين كفروا من قومه) * حيث قيد هنا الملأ المعاند بمن كفر وأطلق هناك، وقد صرحوا بأن هذا الوصف لأنه لم يكن كلهم على الكفر بل من أشرافهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد الذي كان يكتم إيمانه ولا كذلك قوم نوح ومن آمن به عليه السلام منهم لم يكن من الأشراف كما هو الغالب في أتباع الرسل عليهم السلام، وقيل إنه وقت مخاطبة نوح عليه السلام لقومه لم يكونوا آمنوا بخلاف قوم هود ومثله - كما قال الشهاب - يحتاج إلى نقل. واعترض المولى بهاء الدين على تلك التفرقة بين القومين بأنه قد جاء في سورة المؤمنين (23) وصف قوم نوح بما وصف به قوم هود هنا فكيف تتأتى هذه التفرقة؟ وأجيب بأن الوصف هناك محمول على أنه للذم لا للتمييز وإنما لم يذم ههنا للإشارة إلى التفرقة. وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إن الوصف هنا للذم أيضا ومقتضى المقام يقتضي ذمهم لشدة عنادهم كما يدل عليه جوابهم بما حكاه الله تعالى من قولهم: * (إنا لنراك في سفاهة) * أي متمكنا في خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك.
* (وإنا لنظنك من الكاذبين) * حيث ادعيت الرسالة وهو أبلغ من كاذبا كما مرت الإشارة إليه. والظن إما على ظاهره كما قال الحسن والزجاج وإما بمعنى العلم كما قيل، وذلك لأنهم قالوا ما قالوا مع كونه عليه السلام معروفا بينهم بضد ذلك ولا يقتضي ذم قوم نوح عليه السلام وحيث اقتضى في سورة المؤمنين ذمهم ذمهم لأنهم قالوا كما قصه سبحانه وتعالى هناك: * (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين) * (المؤمنون: 24، 25) وقال بعضهم: إن الظاهر أن ما نقل هنا عن قوم نوح عليه السلام مقالتهم في مجلس أو مقالة بعضهم وما نقل في سورة المؤمنين مقالتهم في مجلس آخر أو مقالة آخرين فروعي في المقامين مقتضى كل من المقالتين.
* (قال ي‍اقوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب الع‍المين) *.
* (قال) * عليه السلام مستعطفا لهم أو مستميلا لقلوبهم: * (يا قوم ليس بي سفاهة) * أي شيء منها فضلا عن تمكني فيها كما زعمتم
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»