تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٤١
اعبدوه جامعين في أنفسكم الخوف والرجاء في عبادتكم القلبية والقالبية وهو كما ترى، ومن الناس من أبقى الدعاء على المعنى الظاهر وعمم في متعلق الخوف والطمع، والمعنى عنده ادعوه وأنتم جامعون في أنفسكم الخوف والرجاء في أعمالكم كلها، وليس بشيء والمختار عند جلة المفسرين ما تقدم.
* (إن رحمت الله قريب من المحسنين) * أعمالهم، ومن الإحسان في الدعاء أن يكون مقرونا بالخوف والطمع. وقد كثر الكلام في توجيه تذكير * (قريب) * مع أنه صفة مخبر بها عن المؤنث، وقد نقل ابن هشام في ذلك وجوها ذاكرا ما لها وما عليها. الأول: أن الرحمة في تقدير الزيادة والعرب قد تزيد المضاف قال سبحانه وتعالى: * (سبح اسم ربك الأعلى) * (الأعلى: 1) أي سبح ربك ألا ترى أنه يقال في التسبيح سبحان ربي ولا يقال سبحان اسم ربي والتقدير إن الله تعالى قريب فالخبر في الحقيقة عن الاسم الأعظم، وتعقبه بأن هذا لا يصح عند علماء البصرة لأن الأسماء لا تزاد في رأيهم وإنما تزاد الحروف، ومعنى الآية عندهم نزه أسماء ربك عما لا يليق بها فلا تجر عليه سبحانه اسما لا يليق بكماله أو اسما غير مأذون فيه فلا زيادة، الثاني: إن ذلك على حذف مضاف أي إن مكان رحمة الله تعالى قريب فالإخبار إنما هو عن المكان وهو مذكر، ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم مشيرا إلى الذهب والفضة " إن هذين حرام " فإن الإخبار بالمفرد لأن التقديران استعمال هذين، وقول حسان. يسقون من ورد البريص عليهم * بردى يصفق بالرحيق السلسل فإنه بتقدير ماء بردى فلذا قال: يصفق بالتذكير مع أن بردى مؤنث. وتعقب بأن هذا المضاف بعيد جدا لا قريب والأصل عدم الحذف والمعنى مع تركه أحسن منه مع وجوده. الثالث: أنه على حذف الموصوف أي شيء قريب كما قال الشاعر: قامت تبكيه على قبره * من لي من بعدك يا عامر تركتني في الدار ذا غربة * قد ذل من ليس له ناصر أي شخصا ذا غربة. وعلى ذلك يخرج قول سيبويه قولهم: امرأة حائض أي شخص ذو حيض.
وقول الشاعر أيضا: فلو أنك في يوم الرخاء سألتني * طلاقك لم أبخل وأنت صديق وتعقب بأنه أشد ضعفا من سابقه لأن تذكير صفة المؤنث باعتبار إجرائها على موصوف مذكر محذوف شاذ ينزه كلام الله تعالى عنه، على أنه لا فصاحة في قولك: رحمة الله شيء قريب ولا لطافة بل هو عند ذي الذوق كلام مستهجن، ونحو حائض من الصفات المختصة لا يحتاج إلى العلامة لأنها لدفع اللبس ولا لبس مع الاختصاص. وسيبويه وإن كان جوادا في مثل هذا المضمار إلا أن الجواد قد يكبو، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، ألا تراه كيف جوز في باب الصفة المشبهة مررت برجل حسن وجهه بإضافة حسن إلى الوجه وإضافة الوجه إلى ضمير الرجل وخالفه في ذلك جميع البصريين والكوفيين لأنه قد أضاف الشيء إلى نفسه. وقد علمت أيضا أن الأصل عدم الحذف. الرابع: أن العرب تعطي المضاف حكم المضاف إليه في التذكير والتأنيث إذا صح الاستغناء عنه وهو أمر مشهور فالرحمة لإضافتها إلى الاسم الجليل قد اكتسبت ما صحح الإخبار عنها بالمذكر. وتعقبه أبو علي الفارسي في " تعاليقه " على الكتاب بأن هذا التقدير والتأويل في القرآن
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»