تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٢٠
بسهولة دون ما تضيق به ذرعا، والجملة اعتراض وسط بين المبتدأ وهو الموصول والخبر الذي هو جملة * (أول‍ائك أصحاب الجنة) * للترغيب في اكتساب ما يؤدي إلى النعيم المقيم ببيان سهولة مناله وتيسر تحصيله. وقيل: المعنى لا نكلف نفسا إلا ما يثمر لها السعة أي جنة عرضها السموات والأرض وهو خلاف الظاهر وإن كانت الآية عليه لا تخلو عن ترغيب أيضا. وجوز أن يكون اسم الإشارة بدلا من الموصول وما بعده خبر المبتدأ، وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل والشرف. وجوز أيضا أن تكون جملة * (لا نكلف) * الخ خبر المبتدأ بتقدير العائد أي منهم. وقوله سبحانه: * (هم فيها خالدون) * حال من * (أصحاب الجنة) *، وجوز كونه حالا من * (الجنة) * لاشتماله على ضميرها أيضا والعامل فيها معنى الإضافة أو اللام المقدرة. وقيل: خبر لأولئك على رأي من جوزه. و * (فيها) * متعلق بخالدون قدم عليه رعاية للفاصلة.
* (ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الانه‍ار وقالوا الحمد لله الذى هدانا له‍اذا وما كنا لنهتدى لولاأن هدانا الله لقد جآءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) *.
* (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * أي قلعنا ما في قلوبهم من حقد مخفي فيها وعداوة كانت بمقتضى الطبيعة لأمور جرت بينهم في الدنيا. أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال: " إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة (فبلغوها) وجدوا عند بابها شجرة، في أصل ساقها عينان (فيشربون) من إحداهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور (ويغتسلون) من الأخرى (فتجري) عليهم نضرة النعيم (فلن) يشعثوا (ولن) (5) (يشحبوا) بعدها أبدا ". وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحبس أهل الجنة بعدما يجوزون الصراط حتى يؤخذ لبعضهم من بعض ظلاماتهم في الدنيا فيدخلون الجنة وليس في قلوب بعض على بعض غل ". وقيل: المراد طهرنا قلوبهم وحفظناها من التحاسد على درجات الجنة ومراتب القرب بحيث لا يحسد صاحب الدرجة النازلة صاحب الدرجة الرفيعة. وهذا في مقابلة ما ذكره سبحانه من لعن أهل النار بعضهم بعضا. وأيا ما كان فالمراد ننزع لأنه في الآخرة إلا أن صيغة الماضي للإيذان بتحققه. وقيل: إن هذا النزع إنما كان في الدنيا، والمراد عدم اتصافهم بذلك من أول الأمر إلا أنه عبر عن عدم الاتصاف به مع وجود ما يقتضيه حسب البشرية أحيانا بالنزع مجازا، ولعل هذا بالنظر إلى كمل المؤمنين كأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم رحماء بينهم يحب بعضهم بعضا كمحبته لنفسه أو المراد إزالته بتوفيق الله تعالى قبل الموت بعد أن كان بمقتضى الطباع البشرية. ويحتمل أن يخرج على الوجهين ما أخرجه غير واحد عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال في هذه الآية: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم، ويقال على الثاني فيما وقع مما ينبىء بظاهره عن الغل. إنه لم يكن إلا عن اجتهاد إعلاءا لكلمة الله تعالى. ولا يخفى بعد هذا المعنى وإن ساعده ظاهر الصيغة. و * (من غل) * على سائر الاحتمالات حال من (ما).
وقوله سبحانه: * (تجري من تحتهم الأنهار) * حال أيضا إما من الضمير في * (صدورهم) * لأن المضاف جزء من المضاف إليه والعامل معنى الإضافة أو العامل في المضاف، وإما من ضمير * (نزعنا) * على ما قيل والعامل الفعل. واختار بعضهم أن الجملة مستأنفة للإخبار عن صفة أحوالهم. والمراد تجري من تحت غرفها مياه الأنهار زيادة في لذتهم وسرورهم.
* (وقالوا الحمد لله الذي هدانا له‍اذا) * الفوز العظيم والنعيم المقيم. والمراد الهداية لما أدى إليه من الأعمال القلبية والقالبية مجازا وذلك بالتوفيق لها وصرف الموانع عن الاتصاف بها.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»