تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٨٤
فقد صرحوا بأن الإعدام مقدمة على الملكات.
وتحقيق ذلك على ما ذكره بعض المحققين أنه إذا تقابل شيئان أحدهما وجودي فقط فإن اعتبر التقابل بالنسبة إلى موضوع قابل للأمر الوجودي إما بحسب شخصه أو بحسب نوعه أو بحسب جنسه القريب أو البعيد فهما العدم والملكة الحقيقيان أو بحسب الوقت الذي يمكن حصوله فيه فهما العدم والملكة المشهوران، وإن لم يعتبر فيهما ذلك فهما السلب والإيجاب، فالعدم المشهوري في العمى والبصر هو ارتفاع الشيء الوجودي كالقدرة على الإبصار مع ما ينشأ من المادة المهيئة لقبوله في الوقت الذي من شأنها ذلك فيه كما حقق في " حكمة العين وشرحها "، فإذا تحقق أن كل قابل لأمر وجودي في ابتداء قابليته واستعداده متصف بذلك العدم قبل وجود ذلك الأمر بالفعل تبين أن كل ملكة مسبوقة بعدمها لأن وجود تلك الصفة بالقوة وهو متقدم على وجودها بالفعل. وقال المولى ميرزاجان: لا بد في تقابل العدم والملكة أن يؤخذ في مفهوم العدمي كون المحل قابلا للوجودي، ولا يكفي نسبة المحل القابل للوجودي من غير أن يعتبر في مفهوم العدمي كون المحل قابلا له، ولذا صرحوا بأن تقابل العدم والوجود تقابل الإيجاب والسلب.
قال في " الشفاء ": العمى هو عدم البصر بالفعل مع وجوده بالقوة، وهذا مما لا بد منه في معناه المشهور انتهى، وبه يندفع بعض الشكوك التي عرضت لبعض الناظرين في هذا المقام، وقيل في تقدم عدم الملكة على الوجود: إن عدم الملكة عدم مخصوص والعدم المطلق في ضمنه وهو متقدم على الوجود في سائر المخلوقات. ولذا قال الإمام: إنما قدم الظلمات على النور لأن عدم المحدثات متقدم على وجودها كما جاء في حديث رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره، وفي أخرى ثم ألقى عليهم من نوره فمن أصابه نوره اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك جف القلم بما هو كائن. وعليه الظلمة في الخبر بمعنى العدم والنور بمعنى الوجود ولا يلائمه سياق الحديث، والظاهر ما قيل الظلمة عدم الهداية وظلمة الطبيعة والنور الهداية، ومن المتكلمين من زعم أن الظلمة عرض يضاد النور واحتج لذلك بهذه الآية ولم يعلم أن عدم الملكة كالعمى ليس صرف العدم حتى لا يتعلق به الجعل، وتحقيقه - على ما قيل - أن الجعل هنا ليس بمعنى الخلق والإيجاد بل تضمين شيء شيئا وتصييره قائما به قيام المظروف بالظروف أو الصفة بالموصوف والعدم من الثاني فصح تعلق الجعل به وإن لم يكن موجودا عينيا، وفي " الطوالع " أن العدم المتجدد يجوز أن يكون بفعل الفاعل كالوجود الحادث فافهم ذاك والله تعالى يتولى هداك.
* (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) * يحتمل أن يكون * (يعدلون) * فيه من العدل بمعنى العدول أو منه بمعنى التسوية، والكفر يحتمل أن يكون بمعنى الشرك المقابل للإيمان أو بمعنى كفران النعمة، والباء يحتمل أن تتعلق بكفروا وأن تتعلق بيعدلون، وعلى التقادير فالجملة إما إنشائية لإنشاء الاستبعاد أو إخبارية واردة للإخبار عن شناعة ما هم عليه، ثم هي إما معطوفة على جملة * (الحمد لله) * إنشاء أو إخبارا أو على قوله سبحانه: * (خلق) * صلة * (الذي) * أو على * (الظلمات) * مفعول * (جعل) * فالاحتمالات ترتقي إلى أربعة وستين حاصلة من ضرب ستة عشر احتمالات المعطوف في أربعة أعني احتمالات المعطوف عليه وإذا لوحظ هناك أمور
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»