فالإضافة للاختصاص أو لأدنى ملابسة، والجملة معطوفة على * (لا نشتري به) * داخل معه في حيز القسم. وروي عن الشعبي أنه وقف على * (شهادة) * بالهاء ثم ابتدأ آلله بالمد والجر على حذف حرف القسم وتعويض حرف الاستفهام منه وليس هذا من حذف حرف الجر وإبقاء عمله وهو شاذ كقوله: أشارت كليب بالأكف الأصابع لأن ذلك حيث لا تعويض، وفي الجلالة الكريمة تعويض همزة الاستفهام عن المحذوف، وهل البحر به أو بالعوض قولان. وروي عنه وكذا عن الحسن رضي الله تعالى عنه ويحيى بن عمر وابن جرير وآخرين * (الله) * بدون مد وفي ذلك احتمالان. الأول: أن الحذف من غير عوض فيكون على خلاف القياس، والثاني: أن الهمزة المذكورة همزة الاستفهام وهي همزة قطع عوضت عن الحرف ولكنها لم تمد وهذا أولى من دعوى الشذوذ ولذا اختاره في " الدر المصون "، وقرىء بتنوين الشهادة ووصل الهمزة ونصب اسم الله تعالى من غير مد وخرجه أبو البقاء على أنه منصوب بفعل القسم محذوفا.
* (إنا إذا لمن الآثمين) * أي إذا فعلنا ذلك وكتمنا، والعدول عن آثمون إلى ما ذكر للمبالغة. وقرىء * (لملاثمين) * بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام وإدغام النون فيها.
* (فإن عثر على أنهما استحقآ إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينآ إنا إذا لمن الظالمين) *.
* (فإن عثر) * أي اطلع يقال عثر الرجل على الشيء عثورا إذا اطلع عليه. وقال الغوري: تقول عثرت إذا اطلعت على ما كان خفيا وهو مجاز بحسب الأصل من قولهم: عثر إذا كبا وذلك أن العاثر ينظر إلى موضع عثاره فيعرفه ويطلع عليه، وقال الليث: إن مصدر عثر بمعنى اطلع العثور وبمعنى كبا العثار وحينئذ يخفى القول بالمجاز لأن اختلاف المصدر ينافيه فلا تتأتى تلك الدعوى إلا على ما قاله الراغب من اتحاد المصدرين، وفي " القاموس " " عثر كضرب ونصر وعلم وكرم عثرا وعثيرا وعثارا كبا. والعثور الإطلاع كالعثر " وظاهر هذا أن لا مجاز. ويفهم منه أيضا الاتحاد في بعض المصادر فافهم، والمراد فإن عثر بعد التحليف.
* (على أنهما) * أي الشاهدين الحالفين * (استحقا إثما) * أي فعلا ما يوجبه من تحريف وكتم بأن ظهر بأيديهما شيء من التركة وادعيا استحقاقهما له بوجه من الوجوه، وقال الجبائي: الكلام على حذف مضاف أي استحقا عقوبة إثم * (فآخران) * أي فرجلان آخران. وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: * (يقومان مقامهما) * والفاء جزائية وهي إحدى مصوغات الإبتداء بالنكرة. ولا محذور في الفصل بالخبر بين المبتدأ وصفته وهو قوله سبحانه: * (من الذين استحق عليهم الأوليان) *، وقيل: هو خبر مبتدأ محذوف أي فالشاهدان آخران، وجملة * (يقومان) * صفته والجار والمجرور صفة أخرى؛ وجوز أبو البقاء أن يكون حالا من ضمير * (يقومان) *، وقيل: هو فاعل فعل محذوف أي فليشهد آخران وما بعده صفة له، وقيل: مبتدأ خبره الجار والمجرور، والجملة الفعلية صفته وضمير * (مقامهما) * في جميع هذه الأوجه مستحق للذين استحقا. وليس المراد بمقامهما مقام أداء الشهادة التي تولياها ولم يؤدياها كما هي بل هو مقام الحبس والتحليف، و * (استحق) * بالبناء للفاعل قراءة عاصم في رواية حفص عنه وبها قرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وأبي رضي الله تعالى عنهم وفاعله * (الأوليان) *، والمراد من الموصول أهل الميت ومن الأوليين الأقربان إليه الوارثان له الأحقان بالشهادة لقربهما واطلاعهما وهما في الحقيقة الآخران القائمان مقام اللذين استحقا إثما إلا أنه أقيم المظهر مقام ضميرهما للتنبيه على وصفهما بهذا الوصف.