للأولين أيضا قطعا على أن اعتبار اتصافهما بذلك يأباه مقام الأمر بإشهادهما إذ مآله فآخران شأنهما الحبس والتحليف وإن أمكن إتمام التقريب باعتبار قيد الارتياب بهما كما يفيده الاعتراض الآتي ولا يخفى ما فيه.
والخطاب للموصى لهم وقيل: للورثة وقيل: للحكام والقضاة.
وقوله عز وجل: * (فيقسمان بالله) * عطف على * (تحبسونهما) * * (إن ارتبتم) * أي شككتم في صدقهما وعدم استبدادهما بشيء من التركة. والجملة شرطية حذف جوابها لدلالة ما سبق من الحبس والإقسام عليه، والشرط مع جوابه المحذوف معترض بين القسم وجوابه أعني قوله تعالى: * (لا نشتري به ثمنا) * وقد سيق من جهته تعالى للتنبيه على اختصاص الحبس والتحليف بحال الارتياب وليس هذا من قبيل ما اجتمع فيه قسم وشرط فاكتفى بذكر جواب سابقهما عن جواب الآخر كما هو الواقع غالبا لأن ذلك إنما يكون عند سد جواب السابق مسد جواب اللاحق لاتحاد مضمونهما كما في قولك: والله إن أتيتني لأكرمنك، ولا ريب في استحالته ههنا لأن القسم وجوابه كلام الشاهدين والشرطية كما علمت من جهته سبحانه وتعالى، ولا يتوهم أن إن هنا وصلية لأنها مع أن الواو لازمة لها ليس المعنى عليها كما لا يخفى. وزعم بعضهم جواز كونها شرطية و * (لا نشتري) * دليل الجواب، والمعنى إن ارتبتم فلا ينبغي ذلك أو فقد أخطأتم لأنا لسنا ممن يشتري به ثمنا قليلا وهو بعيد جدا وتخلو الآية عليه ظاهرا من شرط التحليف، وضمير * (به) * عائد إلى الله تعالى، والمعنى لا نأخذ لأنفسنا بدلا من الله سبحانه أي من حرمته تعالى عرضا من الدنيا بأن نزيلها بالحلف الكاذب وحاصله لا نحلف بالله تعالى حلفا كاذبا لأجل المال، وقيل: إنه عائد إلى القسم على تقدير مضاف أي لا نستبدل بصحة القسم بالله تعالى عرضا من الدنيا بأن نزيل عنه وصف الصدق ونصفه بالكذب، وقيل: إلى الشهادة باعتبار أنها قول ولا بد من تقدير مضاف أيضا، وتقدير مضاف في * (ثمنا) * أي ذا ثمن مما لا يدع إليه إلا قلة التأميل.
* (ولو كان) * المقسم له المدلول عليه بفحوى الكلام * (ذا قربى) * أي قريبا منا. وهذا تأكيد لتبريهما من الحلف الكاذب ومبالغة في التنزه عنه كأنهما قالا: لا نأخذ لأنفسنا بدلا من ذلك مالا ولو انضم إليه رعاية جانب الأقرباء فكيف إذا لم يكن كذلك، وصيانة أنفسهما وإن كانت أهم من رعاية جانب الأقرباء لكنها - كما قال شيخ الإسلام - ليست ضميمة المال بل هي راجعة إليه، وقيل: الضمير للمشهود له على معنى لا نحابي أحدا بشهادتنا ولو كان قريبا منا، وجواب لو محذوف اعتمادا على ما سبق عليه أي لا نشتري به ثمنا، والجملة معطوفة على جملة أخرى محذوفة أي لو لم يكن ذا قربى ولو كان الخ، وجعل السمين الواو للحال، وقد تقدم لك ما ينفعك هنا. وجوز بعضهم إرجاع الضمير للشاهد وقدر جوابا للو غير ما قدرناه أي ولو كان الشاهد قريبا يقسمان، وجعل فائدة ذلك دفع توهم اختصاص الأقسام بالأجنبي، ولا يخفى ما في التركيب حينئذ من الركاكة التي لا ينبغي أن تكون في كلام هذا البعض فضلا عن كلام رب الكل، ونشهد بالله سبحانه وتعالى أن حمل كلامه عز وجل على مثل ذلك مما لا يليق.
* (ولا نكتم شهادة الله) * أي الشهادة التي أمرنا سبحانه وتعالى بإقامتها وألزمنا أداءها