تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٤٦
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس لا تتكلوا على هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) * الخ إن الداعر ليكون في الحي فلا يمنعونه فيعمهم الله تعالى بعقاب ". ومن الناس من فسر الاهتداء هنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وروي ذلك عن حذيفة وسعيد بن المسيب، والثاني: أن الآية تسلية لمن يأمر وينهى ولا يقبل منه عند غلبة الفسق وبعد عهد الوحي، فقد أخرج عبد الرزاق وأبو الشيخ والطبراني وغيرهم عن الحسن أن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه سأله رجل عن هذه الآية فقال: أيها الناس إنه ليس بزمانها ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا أو قال: فلا يقبل منكم فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وأخرج ابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قيل له: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه فإن الله تعالى يقول: * (عليكم أنفسكم) * فقال: إنها ليست لي ولا لأصحابي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم. وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عز وجل: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * فقال صلى الله عليه وسلم: يا معاذ " مروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فإذا رأيتم شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل امرىء برأيه فعليكم أنفسكم لا يضركم ضلالة غيركم فإن من ورائكم أيام صبر المتمسك فيها بدينه مثل القابض على الجمر فللعامل منهم يومئذ مثل عمل أحدكم اليوم كأجر خمسين منكم قلت: يا رسول الله خمسين منهم قال: بل خمسين منكم أنتم ". والثالث: أنها للمنع عن هلاك النفس حسرة وأسفا على ما فيه الكفرة والفسقة من الضلال فقد كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم فنزلت. والرابع: أنها للرخصة في ترك الأمر والنهي إذا كان فيهما مفسدة. والخامس: أنها للأمر بالثبات على الإيمان من غير مبالاة بنسبة الآباء إلى السفه، فقد قيل: كان الرجل إذا أسلم قالوا له سفهت أباك فنزلت، وقيل: معنى الآية يا أيها الذين آمنوا الزموا أهل دينكم واحفظوهم وانصروهم لا يضركم من ضل من الكفار إذا فعلتم ذلك، والتعبير عن أهل الدين بالأنفس على حد قوله تعالى: * (لا تقتلوا أنفسكم) * (النساء: 29) ونحوه، والتعبير عن ذلك الفعل بالاهتداء للترغيب فيه ولا يخفى ما فيه.
* (إلى الله) * لا إلى أحد سواه * (مرجعكم) * رجوعكم يوم القيامة * (جميعا) * بحيث لا يتخلف عنه أحد من المهتدين وغيرهم * (فينبئكم) * بالثواب والعقاب * (بما كنتم تعملون) * في الدنيا من أعمال الهداية والضلال، فالكلام وعد ووعيد للفريقين، وفيه كما قيل دليل على أن أحدا لا يؤاخذ بعمل غيره وكذا يدل على أنه لا يثاب بذلك، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك.
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا شه‍ادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو ءاخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الارض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلواة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شه‍ادة الله إنآ إذا لمن الاثمين) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا) * استئناف مسوق لبيان الأحكام المتعلقة بأمور دنياهم إثر بيان الأحوال المتعلقة بأمور دينهم، وفيه من إظهار كمال العناية بمضمونه ما لا يخفى * (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان) * للشهادة معان: الإحضار والقضاء والحكم والحلف والعلم والإيصاء، والمراد بهاهنا الأخير كما نص عليه جماعة من المفسرين، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك، وقرأها الجمهور بالرفع على أنها مبتدأ و (اثنان) خبرها، والكلام على حذف مضاف
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»