تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٤٨
صحبي وانتصاب مطيهم بقوله وقوفا فإنه بدل من اللفظ بالفعل في الخبر، والتقدير وقف صحبي على مطيهم، والتقدير في الآية يشهد إذا حضر أحدكم الموت اثنان.
* (ذوا عدل منكم) * أي من المسلمين كما روي عن ابن عباس وابن مسعود والباقر رضي الله تعالى عنهم وابن المسيب عليه الرحمة، أو من أقاربكم وقبيلتكم كما روي عن الحسن وعكرمة، وهو الذي يقتضيه كلام الزهري وهما صفتان لاثنان * (أو ءاخران) * عطف على * (اثنان) * في سائر احتمالاته. وقوله سبحانه: * (من غيركم) * صفة له أي كائنان من غيركم، والمراد بهم غير المسلمين من أهل الكتاب عند الأولين وغير الأقربين من الأجانب عند الآخرين. واختار الأول جماعة من المتأخرين حتى قال الجصاص: إن التفسير الثاني لا وجه له لأن الخطاب توجه أولا إلى أهل الإيمان فالمغايرة تعتبر فيه ولم يجر للقرابة ذكر، ويدل لذلك أيضا سبب النزول وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
* (إن أنتم ضربتم في الأرض) * أي سافرتم، وارتفاع * (أنتم) * بفعل مضمر يفسره ما بعده، والتقدير إن ضربتم فلما حذف الفعل وجب أن يفصل الضمير ليقوم بنفسه وهذا رأي جمهور البصريين، وذهب الأخفش والكوفيون إلى أنه مبتدأ بناء على جواز وقوع المبتدأ بعد إن الشرطية كجواز وقوعه بعد (إذا) فجملة * (ضربتم) * لا موضع لها على الأول للتفسير وموضعها الرفع على الخبرية على الثاني.
وقوله تعالى: * (فأصابتكم مصيبة الموت) * أي قاربتم الأجل عطف على الشرط وجوابه محذوف، فإن كان الشرط قيدا في أصل الشهادة فالتقدير إن ضربتم في الأرض الخ فليشهد اثنان منكم أو من غيركم، وإن كان شرطا في العدول إلى آخرين بالمعنى الذي نقل عن الأولين فالتقدير فاشهدوا آخرين من غيركم أو فالشاهدان آخران من غيركم، وحينئذ تفيد الآية أنه لا يعدل في الشهادة إلى غير المسلمين إلا بشرط الضرب في الأرض، وروي ذلك عن شريح رضي الله تعالى عنه.
وقوله سبحانه: * (تحبسونهما) * أي تلزمونهما وتصبرونهما للتحليف استئناف كأنه قيل كيف نعمل إذا ارتبنا بالشاهدين فقال سبحانه: تحبسونهما * (من بعد الصلاة) * أي صلاة العصر كما روي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه وقتادة وابن جبير وغيرهم، والتقييد بذلك لأنه وقت اجتماع الناس وتكاثرهم ولأن جميع أهل الأديان يعظمونه ويجتنبون الحلف الكاذب فيه ولأنه وقت تصادم ملائكة الليل والنهار وتلاقيهم، وفي ذلك تكثير للشهود منهم على صدق الحالف وكذبه فيكون أخوف، وعد ذلك بعضهم من باب التغليظ على المستحلف بالزمان. وعندنا لا يلزم التغليظ به ولا بالمكان بل يجوز للحاكم فعله. وعن الحسن أن المراد بها صلاة العصر أو الظهر لأن أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما، وجوز أن تكون اللام للجنس أي بعد أي صلاة كانت. والتقييد بذلك لأن الصلاة داعية إلى النطق بالصدق ناهية عن التفوه بالكذب والزور وارتكاب الفحشاء والمنكر. وجعل الحسن التقييد بذلك دليلا على ما تقدم من تفسيره. وجوز أن تكون الجملة صفة أخرى لآخران؛ وجملة الشرط معترضة فلا يضر الفصل بها. وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وتعقب بأنه يقتضي اختصاص الحبس بالآخرين مع شموله
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»