من الأول أي ذو شهادة بينكم إثنان أو من الثاني أي شهادة بينكم شهادة إثنين، والتزم ذلك ليتصادق المبتدأ والخبر، وقيل: الشهادة بمعنى الشهود كرجل عدل فلا حاجة إلى التزام الحذف، وقيل: الخبر محذوف و (اثنان) مرفوع بالمصدر الذي هو * (شهادة) * والتقدير فيما فرض عليكم أن يشهد إثنان وإلى هذا ذهب الزجاج والشهادة فيه على معناها المتبادر منها لا بمعنى الإشهاد، وكلام البعض يوهم ذلك وهو في الحقيقة بيان لحاصل معنى الكلام. وزعم بعضهم أنها بمعنى الإشهاد الذي هو مصدر المجهول و (اثنان) قائم مقام فاعله، وفيه أن الإتيان لمصدر الفعل المجهول بنائب فاعل وهو اسم ظاهر وإن جوزه البصريون كما في " شرح التسهيل " للمرادي فقد منعه الكوفيون وقالوا: إنه هو الصحيح لأن حذف فاعل المصدر سائغ شائع فلا يحتاج إلى ما يسد مسد فاعله كفاعل الفعل الصريح. و * (إذا) * ظرف لشهادة أي ليشهد وقت حضور الميت والمراد مشارفته وظهور أماراته، و * (حين الوصية) * أما بدل من * (إذا) * وفيه تنبيه على أن الوصية من المهمات المقررة التي لا ينبغي أن يتهاون بها المسلم ويذهل عنها. وجوز أن يتعلق بنفس الموت أي وقوع الموت أي أسبابه حين الوصية أو يحضر، وأن يكون * (شهادة) * مبتدأ خبره * (إذا حضر) * أي وقوع الشهادة في وقت حضور الموت و * (حين الوصية) * على الأوجه السابقة، ولا يجوز فيه أن يكون ظرفا للشهادة لئلا يخبر عن الموصول قبل تمام صلته أو خبره * (حين الوصية) * و * (إذا) * منصوب بالشهادة ولا يجوز نصبه بالوصية وإن كان المعنى عليه لأن معمول المصدر لا يتقدمه على الصحيح مع ما يلزم من تقديم معمول المضاف إليه على المضاف وهو لا يجوز في غير - غير - لأنها بمنزلة لا و * (اثنان) * على هذين الوجهين إما فاعل يشهد مقدرا أو خبرا لشاهدان كذلك. وعن الفراء أن * (شهادة) * مبتدأ و * (اثنان) * فاعله سد مسد الخبر وجعل المصدر بمعنى الأمر أي ليشهد، وفيه نيابة المصدر عن فعل الطلب وهو ضعيف عند غيره لأن الاكتفاء بالفاعل مخصوص بالوصف المعتمد. و * (إذا) * و * (حين) * عليه منصوبان على الظرفية كما مر، وإضافة * (شهادة) * إلى الظرف على التوسع لأنه متصرف ولذا قرىء * (تقطع بينكم) * (الأنعام: 94) بالرفع، وقيل: إن الأصل ما بينكم وهو كناية عن التخاصم والتنازع، وحذف ما جائز نحو * (وإذا رأيت ثم) * (الإنسان: 20) أي ما ثم، وأورد عليه أن ما الموصولة لا يجوز حذفها ومنهم من جوزه.
وقرأ الشعبي * (شهادة بينكم) * بالرفع والتنوين فبينكم حينئذ منصوب على الظرفية. وقرأ الحسن * (شهادة) * بالنصب والتنوين، وخرج ذلك ابن جني على أنها منصوبة بفعل مضمر * (اثنان) * فاعله أي ليقم شهادة بينكم اثنان. وأورد عليه أن حذف الفعل وإبقاء فاعله لم يجزه النحاة إلا إذا تقدم ما يشعر به كقوله تعالى: * (يسبح له فيها بالغدو والآصال) * (النور: 36) في قراءة من قرأ * (يسبح) * بالبناء للمفعول، وقول الشاعر: ليبك يزيد ضارع لخصومة (c) أو أجيب به نفي أو استفهام وذلك ظاهر، والآية ليست واحدا من هذه الثلاثة. وأجيب بأن ما ذكر من الاشتراط غير مسلم بل هو شرط الأكثرية، واختار في " البحر " وجهين للتخريج، الأول: أن تكون * (شهادة) * منصوبة على المصدر النائب مناب فعل الأمر و * (اثنان) * مرتفع به، والتقدير ليشهد بينكم اثنان فيكون من باب ضربا زيدا إلا أن الفاعل في ضربا يستند إلى ضمير المخاطب لأن معناه اضرب، وهذا يستند إلى الظاهر لأن معناه ما علمت، والثاني: أن تكون مصدرا لا بمعنى الأمر بل خبرا ناب مناب الفعل في الخبر وإن كان ذلك قليلا كقوله: وقوفا بها صحبي على مطيهم (c) فارتفاع