تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٣٠
على حذف مضاف أي بدا لهم وبال ما كانوا يخفون ولا يخفى ما فيه أيضا فتدبر.
* (ولو ردوا) * من موقفهم ذلك إلى الدنيا * (لعادوا لما نهوا عنه) * من الكفر والتكذيب أو من الأعم من ذلك ويدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا ولا يخفى حسنه، ووجه اللزوم في هذه الشرطية سبق قضاء الله تعالى عليهم بذلك التابع لخبث طينتهم ونجاسة جبلتهم وسوء استعدادهم ولهذا لا ينفعهم مشاهدة ما شاهدوه، وقيل: إن المراد أنهم لو ردوا إلى حالهم الأولى من عدم العلم والمشاهدة لعادوا، ولا يخفى أنه لا يناسب مقام ذمهم بغلوهم في الكفر والإصرار وكون هذا جوابا لما مر من تمنيهم. وذكر بعض الناس في توجيه عدم نفع المشاهدة في الآخرة لأهوالها المترتبة على المعاصي بعد الرد إلى الدنيا أنها حينئذ كخبر النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات الباهرة فحيث لم ينتفعوا به وصدهم ما صدهم لا ينتفعون بما هو مثله ويصدهم أيضا ما يصدهم. وأنت تعلم أن هذا بعد تسليم كون المشاهدة بعد الرد كخبر الصادق يرجع في الآخرة إلى ما أشرنا إليه من سبق القضاء وسوء الاستعداد، ومن خلق للشقاء والعياذ بالله سبحانه وتعالى للشقاء يكون.
* (وإنهم لكاذبون) * أي لقوم كاذبون فيما تضمنه تمنيهم من الخبر بأن ذلك مراد لهم، ويحتمل أن يكون هذا ابتداء إخبار منه تعالى بأن ديدن هؤلاء وهجيراهم الكذب. وليس الكذب على الاحتمالين متوجها إلى التمني نفسه لأنه إنشاء والإنشاء لا يحتمل الصدق والكذب. وقال الربعي: لا بأس بتوجه الكذب إلى التمني لأنه يحتمل الصدق والكذب بنفسه واحتج على ذلك بقوله: منى أن تكن حقا تكن أحسن المنى $ وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا لأن الحق بمعنى الصدق وهو ضد الباطل والكذب، ولا يخفى ما فيه مع أنه لو سلم فهو مجاز أيضا. وقيل: الخبر الضمني هنا هو الوعد بالإيمان وعدم التكذيب. واعترض بأن الوعد كالوعيد من قبيل الإنشاء كما حقق في موضعه فلا يتوجه إليه الكذب والصدق كما لا يتوجهان إلى الإنشاء. وأجيب بأن ذلك أحد قولين في المسألة، ثانيهما أن الوعد والوعيد من قبيل الخبر لا الإنشاء، وهذا القيل مبني عليه على أنه يحتمل أن المراد بالكذب المتوجه إلى الوعد عدم الوفاء به لا عدم مطابقته للواقع كما ذكره الراغب.
* (وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين) *.
* (وقالوا) * عطف على (عادوا) كما عليه الجمهور. واعترضه ابن الكمال بأن حق * (وإنهم لكاذبون) * (الأنعام: 28) حينئذ أن يؤخر عن المعطوف أو يقدم على المعطوف عليه. وأجيب بأن توسيطه لأنه اعتراض مسوق لتقرير ما أفادته الشرطية من كذبهم المخصوص ولو أخر لأوهم أن المراد تكذيبهم في إنكارهم البعث. وجوز أن يكون عطفا على * (إنهم لكاذبون) * أو على خبر إن أو على * (نهوا) * (الأنعام: 28) والعائد محذوف أي قالوه، وأن يكون استئنافا بذكر ما قالوا في الدنيا.
* (إن هي) * أي ما هي * (إلا حياتنا الدنيا) * والضمير للحياة المذكورة بعده كما في قول المتنبي: هو الجد حتى تفضل العين أختها $ وحتى يكون اليوم لليوم سيدا وقد نصوا على صحة عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة في مواضع، منها ما إذا كان خبر الضمير مفسرا له كما هنا. وجعله بعضهم ضمير الشأن. ولا يتأتى على مذهب الجمهور لأنهم اشترطوا في خبره أن
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»