تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٢٢
السؤال، وقوله تعالى: * (وما نرى معكم شفعاءكم الذين) * إلى قوله سبحانه * (وضل عنكم ما كنتم تزعمون) * (الأنعام: 94). وأجيب أن يكون ذلك في موطن آخر جمعا بين الآيات أو المعنى وما نرى شفاعة شفعائكم.
وقال شيخ الإسلام: " إن هذا السؤال المنبىء عن غيبة الشركاء مع عموم الحشر لها للآيات الدالة على ذلك إنما يقع بعد ما جرى بينها وبينهم من التبري من الجانبين وتقطع ما بينهم من الأسباب حسبما يحكيه قوله سبحانه: * (فزيلنا بينهم) * (يونس: 28) الخ ونحوه اما لعدم حضورها حينئذ في الحقيقة بابعادها من ذلك الموقف، وإما بتنزيل عدم حضورها بعنوان الشركة والشفاعة منزلة عدم حضورها في الحقيقة إذ ليس السؤال عنها من حيث (ذواتها بل وإنما هو من حيث) هي شركاء كما يعرب عنه الوصف بالموصول، ولا ريب في أن عدم الوصف يوجب عدم الموصوف من حيث هو موصوف فهي من حيث هي شركاء غائبة لا محالة وإن كانت حاضرة من حيث ذواتها أصناما كانت أو لا. وأما ما يقال من أنه يحال بينها وبينهم وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بها الرجاء (فيها) (1) فيروا مكان خريهم وحسرتهم فربما يشعر بعدم شعورهم بحقيقة الحال وعدم انقطاع حبال رجائهم عنها بعد. وقد عرفت أنهم شاهدوها قبل ذلك وانصرمت عروة أطماعهم عنها بالكلية على أنها معلومة لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب في البرزخ. وإنما الذي يحصل في الحشر الانكشاف الجلي واليقين القوي المترتب على المحاضرة والمحاورة " اه‍.
وتعقبه مولانا الشهاب بأنه تخيل لا أصل له لأن التوبيخ مراد في الوجوه كلها، ولا يتصور حينئذ التوبيخ إلا بعد تحقق خلافه، مع أن كون هذا واقعا بعد التبري في موقف آخر ليس في النظم ما يدل عليه ومثله لا يجزم به من غير نقل لاحتمال أن يكون هذا في موقف التبري والإشعار المذكور لا يتأتى مع أنه توبيخ. وأما العلاوة التي زيل بها كلامه فواردة عليه أيضا مع أنها غير مسلمة لأن عذاب البرزخ لا يقتضي أن يشفع لهم بعد ذلك فكم من معذب في قبره يشفع له اه‍. وأنت تعلم أن عذابهم البرزخي إن كان بسبب اعتقادهم النفع فيهم ورجاء شفاعتهم وعلم أولئك المعذبون أن عذابهم لذلك فقوله: لأن عذاب البرزخ لا يقتضي الخ ليس في مخله، وكذا قوله: فكم من معذب في قبره يشفع له إن أراد به فكم من معذب لمعصية من المعاصي في قبره يشفع له من يشفع فمسلم لكن لا يفيد. وإن أراد فكم من معذب في قبره بسبب عبادة شيء يشفع له ذلك الشيء فمنعه ظاهر كما لا يخفى فتدبر. وقرأ يعقوب * (يحشرهم.. ثم يقول) * بالياء فيهما والضمير فيهما لله تعالى.
وقوله سبحانه للمشركين: * (أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون) * إما بالواسطة أو بغير واسطة. والتكليم المنفي في قوله تعالى: * (ولا يكلمهم) * (البقرة: 174، آل عمران: 77) الخ تكليم تشريف ونفع لا مطلقا فقد كلم إبليس عليه اللعنة بما كلم. والزعم يستعمل في الحق كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " زعم جبريل عليه السلام " وفي حديث ضمام بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه " زعم رسولك " وقول سيبويه في أشياء يرتضيها: زعم الخليل، ويستعمل في الباطل والكذب كما في هذه الآية. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كل زعم في القرآن فهو بمعنى الكذب. وكثيرا ما يستعمل في الشيء الغريب الذي تبقى عهدته على قائله وهو هنا متعد لمفعولين وحذفا لانفهامهما من المقام أي تزعمونهم شركاء.
* (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين) *.
* (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) * أصل معنى الفتنة على ما حققه الراغب من الفتن وهو إدخال الذهب النار لتعلم جودته من رداءته ثم استعمل في معان كالعذاب والاختبار والبلية والمصيبة والكفر والإثم والضلال
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»