تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٢٥
وهو يقرأ القرآن فقالوا للنضر: يا أبا قتيلة ما يقول محمد؟ فقال: والذي جعلها بيته ما أدري ما يقول إلا أني أرى تحرك شفتيه يتكلم بشيء فما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية. وكان النضر كثير الحديث عن القرون الأولى وكان يحدث قريشا فيستملحون حديثه فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأفرد ضمير * (من) * في * (يستمع) * وجمعه في قوله سبحانه * (وجعلنا على قلوبهم أكنة) * نظرا إلى لفظه ومعناه وعن الكرخي إنما قيل: هنا * (يستمع) * وفي يونس (42) * (يستمعون) * لأن ما هنا في قوم قليلين فنزلوا منزلة الواحد وما هناك في جميع الكفار فناسب الجمع، وإنما لم يجمع ثم في قوله سبحانه: * (ومنهم من ينظر إليك) * (يونس: 43) لأن المراد النظر المستتبع لمعاينة أدلة الصدق وأعلام النبوة والناظرون كذلك أقل من المستمعين للقرآن.
والجعل بمعنى الإنشاء. والأكنة جمع كنان كغطاء وأغطية لفظا ومعنى لأن فعالا بفتح الفاء وكسرها يجمع في القلة على أفعلة كأحمرة وأقذلة، وفي الكثرة على فعل كحمر إلا أن يكون مضاعفا أو معتل اللام فيلزم جمعه على أفعلة كأكنة وأخبية إلا نادرا. وفعل الكن ثلاثي ومزيد يقال: كنه وأكنه كما قاله الطبرسي وغيره وفرق بينهما الراغب فقال: أكننت يستعمل لما يستر في النفس والثلاثي لغيره والتنوين للتفخيم. والواو للعطف والجملة معطوفة على الجملة قبلها عطف الفعلية على الاسمية، وقيل: الواو للحال أي وقد جعلنا. و * (على قلوبهم) * متعلق بالفعل قبله. وزعم أبو حيان أنه " إن كان بمعنى ألقى فالظرف متعلق به وإن كان بمعنى صير فمتعلق بمحذوف إذ هو في موضع المفعول الثاني ". والمعنى على ما ذكرنا وأنشأنا على قلوبهم أغطية كثيرة لا يقادر قدرها. * (أن يفقهوه) * أي كراهة أن يفقهوا ما يستمعونه من القرآن المدلول عليه بذكر الاستماع فالكلام على تقدير مضاف ومنهم من قدر لا دونه أي أن لا يفقهوه وكذلك يفعلون في أمثاله، وجوز أن يكون مفعولا به لما دل عليه قوله تعالى: * (وجعلنا على قلوبهم أكنة) * أي منعناهم أن يفقهوه أو لما دل عليه * (أكنة) * وحده من ذلك * (وفي ءاذانهم وقرا) * أي صمما وثقلا في السمع يمنع من استماعه على ما هو حقه. والكلام عند غير واحد تمثيل معرب عن كمال جهلهم بشؤون النبي صلى الله عليه وسلم وفرط نبوة قلوبهم عن فهم القرآن الكريم ومج أسماعهم أصمها الله تعالى، وجوز أن يكون هناك استعارة تصريحية أو مكنية أو مشاكلة. وقد مر لك في البقرة ما ينفعك هنا فتذكره.
وقرأ طلحة * (وقرا) * بالكسر - وهو - على ما نص عليه الزجاج حمل البغل ونحوه، ونصبه على القراءتين بالعطف على * (أكنة) * كما قال أبو البقاء.
* (وإن يروا) * أي يشاهدوا ويبصروا * (كل ءاية) * أي معجزة دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم على ما نقل عن الزجاج وهو الذي يقتضيه كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه الشريفة وتكثير القليل من الطعام وما أشبه ذلك * (لا يؤمنوا بها) * لفرط عنادهم واستحكام التقليد فيهم. والكلام من باب عموم النفي ككل ذلك لم يكن لا من باب نفي العموم. والمراد ذمهم بعدم الانتفاع بحاسة البصر بعد أن ذكر سبحانه عدم انتفاعهم بعقولهم وأسماعهم، ونقل عن بعضهم أنه لا بد من تخصيص الآية في الآية بغير الملجئة دفعا للمخالفة بين هذا وقوله تعالى: * (إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين) * (الشعراء: 4). واكتفى بعضهم بحمل الإيمان على الإيمان بالاختيار وفرق بينه وبين خضوع الأعناق فليفهم. وخص شيخ الإسلام الآية " بما كان من الآيات القرآنية أي وإن يروا
(١٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 130 ... » »»