وفيهما احتمالان: الأول: أن يكونا مصدرين بمعنى البغض أو شدته شذوذا لأن فعلان بالفتح مصدر ما يدل على الحركة - كجولان - ولا يكون لفعل متعد كما قال: س، وهذا متعد إذ يقال: شنئته، ولا دلالة له على الحركة إلا على بعد، وفعلان بالسكون في المصادر قليل نحو - لويته ليانا - بمعنى مطلته، والثاني: أن يكون صفتين لأن فعلان في الصفات كثير كسكران، وبالفتح ورد فيها قليلا - كحمار قطوان عسر السير، وتيس عدوان كثير العدو - فإن كان مصدرا فالظاهر أن إضافته إلى المفعول أي إن تبغضوا قوما، وجوز أن تكون إلى الفاعل أي إن يبغضكم قوم، والأول أظهر كما في " البحر " وإن كان وصفا فهو بمعنى بغيض، وإضافته بيانية وليس مضافا إلى مفعوله أو فاعله كالمصدر أي البغيض من بينهم.
* (أن صدوكم) * بفتح الهمزة بتقدير اللام على أنه علة - للشنآن - أي لأن صدوكم عام الحديبية، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أن (أن) شرطية، وما قبلها دليل الجواب، أو الجواب على القول المرجوح بجواز تقدمه، وأورد على ذلك أنه لا صد بعد فتح مكة. وأجيب بأنه للتوبيخ على أن الصد السابق على فتح مكة مما لا يصح أن يكون وقوعه إلا على سبيل الفرض، وذلك كقوله تعالى: * (أن كنتم قوما مسرفين) * (الزخرف: 5) وجوز أن يكون بتقدير إن كانوا قد صدوكم، وأن يكون على ظاهره إشارة إلى أنه لا ينبغي أن يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم بعد ظهور الإسلام وقوته، ويعلم منه النهي عن ذلك باعتبار الصد السابق بالطريق الأولى * (عن المسجد الحرام) * أي عن زيارته والطواط به للعمرة، وهذه - كما قال شيخ الإسلام - آية بينة في عموم آمين للمشركين قطعا، وجعلها البعض دليلا على تخصيصه بهم * (أن تعتدوا) * أي عليهم، وحذف تعويلا على الظهور، وإيماءا إلى أن المقصد الأصلي منع صدور الاعتداء من المخاطبين محافظة على تعظيم الشعائر لا منع وقوعه على القوم مراعاة لجانبهم، وأن على حذف الجار أي على أن تعتدوا، والمحل بعده إما جر، أو نصب على المذهبين أي لا يحملنكم بغض قوم لصدهم إياكم عن المسجد الحرام على اعتدائكم عليهم وانتقامكم منهم للتشفي، أو لا حذف، والمنسبك ثاني مفعولي يجرمنكم أي لا يكسبنكم ذلك اعتداؤكم، وهذا على التقديرين وإن كان بحسب الظاهر نهيا للشنآن عما نسب إليه لكنه في الحقيقة نهي لهم عن الاعتداء على أبلغ وجه وآكده، فإن النهي عن أسباب الشيء ومباديه المؤدية إليه نهي عنه بالطريق البرهاني وإبطال للسببية، ويقال: لا أرينك ههنا والمقصود نهى المخاطب على الحضور.
ووجه العلامة الطيبي الاعتراض بقوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * بين ما تقدم وبين هذا النهي المتعلق به ليكون إشارة وإدماجا إلى أن القاصدين ما داموا محرمين مبتغين فضلا من ربهم كانوا كالصيد عند المحرم فلا تتعرضوهم، وإذا حللتم أنتم وهم فشأنكم وإياهم لأنهم صاروا كالصيد المباح أبيح لكم تعرضهم حينئذ. وقال شيخ الإسلام: لعل تأخير هذا النهي عن ذلك مع ظهور تعلقه بما قبله للإيذان بأن حرمة الاعتداء لا تنتهي بالخروج عن الإحرام كانتهاء حرمة الاصطياد به بل هي باقية ما لم تنقطع علاقتهم عن الشعائر بالكلية، وبذلك يعلم بقاء حرمة التعرض لسائر الآمين بالطريق الأولى، ولعله الأولى.
* (وتعانوا على البر والتقوى) * عطف على * (ولا يجرمنكم) * من حيث المعنى كأنه قيل: لا تعتدوا على قاصدي المسجد الحرام لأجل أن صددتم عنه وتعاونوا على العفو والإغضاء. وقال بعضهم: هو استئناف والوقف على أن تعتدوا لازم، واختار غير واحد أن المراد بالبر متابعة الأمر مطلقا، وبالتقوى اجتناب الهوى لتصير الآية من جوامع الكلم وتكون