تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٥٩
وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: - من أراد أن يتفاءل بكتاب الله تعالى فليقرأ * (قل هو الله أحد) * سبع مرات، وليقل ثلاث مرات: اللهم بكتابك تفاءلت، وعليك توكلت، اللهم أرني في كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك، ثم يتفاءل بأول الصحيفة - ففي النفس منه شيء. وفي كتاب الأحكام للجصاص أن الآية تدل على بطلان القرعة في عتق العبيد لأنها في معنى ذلك بعينه إذا كان فيها إثبات ما أخرجته القرعة من غير استحقاق كما إذا أعتق أحد عبيده عند موته على ما بين في الفقه، ولا يرد أن القرعة في جازت في قسمة الغنائم مثلا، وفي إخراج النساء لأنا نقول: إنها فيما ذكر لتطييب النفوس والبراءة من التهمة في إيثار البعض ولو اصطلحوا على ذلك جاز من غير قرعة، وأما الحرية الواقعة على واحد من العبيد فيما نحن فيه فغير جائز نقلها عنه إلى غيره، وفي استعمال القرعة النقل، وخالف الشافعي في ذلك، فجوز القرعة في العتق كما جوزها في غيره، وظواهر الأدلة معه وتحقيق ذلك في موضعه.
والحق عندي أن الاستقسام الذي كان يفعله أهل الجاهلية حرام بلا شبهة كما هو نص الكتاب، وأن حرمته ناشئة من سوء الاعتقاد، وأنه لا يخلو عن تشاؤم، وليس بتفاؤل محض، وإن مثل ذلك ليس من الدخول في علم الغيب أصلا بل هو من باب الدخول في الظن، وأن الاستخارة بالقرآن مما لم يرد فيها شيء يعول عليه عن الصدر الأول، وتركها أحب إلي لا سيما وقد أغنى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها بما سن من الاستخارة الثابتة في غير ما خبر صحيح، وأن تصديق المنجمين فيما ليس من جنس الخسوف والكسوف مما يخبرون به من الحوادث المستقبلة محظور وليس من علم الغيب ولا دخولا فيه، وإن زعمه الزجاج لبنائه على الأسباب، ونقل الشيخ محيي الدين النووي في " شرح مسلم " عن القاضي كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب. أحدها: أن يكون للإنسان رئي من الجن يخبره به بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم الثاني: أن يخبره بما يطرأ ويكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده، ونفت المعتزلة. وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما، ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام، الثالث: المنجمون وهذا الضرب بخلق الله تعالى في بعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة فصاحبها عراف وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها - كالزجر. والطرق بالحصى - وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد أكذبهم الشرع ونهى عن تصديقهم وإتيانهم انتهى.
ولعل النهي عن ذلك لغلبة الكذب في كلامهم ولأن في تصديقهم فتح باب يوصل إلى لظى إذ قد يجر إلى تعطيل الشريعة والطعن فيها لا سيما من العوام، واستثناء ما هو من جنس الكسوف والخسوف لندرة خطئهم فيه بل لعدمه إذا أمكنوا الحساب، ولا كذلك ما يخبرون به من الحوادث إذ قد بنوا ذلك على أوضاع السيارات بعضها مع بعض، أو مع بعض الثوابت ولا شك أن ذلك لا يكفي في الغرض والوقوف على جميع الأوضاع، وما تقتضيه مما يتعذر الوقوف عليه لغير علام الغيوب فليفهم، وقيل: المراد بالاستقسام استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة أي طلب قسم من الجزور أو ما قسمه الله تعالى له منه، وهذا هو الميسر وقد تقدم بيانه، وروى ذلك علي بن إبراهيم عن الأئمة الصادقين رضي الله تعالى عنهم، ورجح بأنه يناسب ذكره مع محرمات الطعام، وروي عن مجاهد أنه فسر الأزلام بسهام العرب وكعاب فارس التي يتقامرون بها.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»