وعن وكيع أنها أحجار الشطرنج * (ذالكم) * أي الاستقسام بالأزلام، ومعنى البعد فيه الإشارة إلى بعد منزلته في الشر * (فسق) * أي ذنب عظيم وخروج عن طاعة الله تعالى إلى معصيته لما أشرنا إليه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن * (ذلكم) * إشارة إلى تناول جميع ما تقدم من المحرمات المعلوم من السياق * (اليوم) * أي الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الآتية، وقيل: يوم نزول الآية، وروي ذلك عن ابن جريج. ومجاهد. وابن زيد، وكان - كما رواه الشيخان عن عمر رضي الله تعالى عنه - عصر يوم الجمعة عرفة حجة الوداع، وقيل: يوم دخوله صلى الله عليه وسلم مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع، وقيل: سنة ثمان، وهو منصوب على الظرفية بقوله تعالى: * (يئسع الذين كفروا من دينكم) * والياس انقطاع الرجاء وهو ضد الطمع.
والمراد انقطع رجاؤهم من إبطال دينكم ورجوعكم عنه بتحليل هذه الخبائث وغيرها، أو من أن يعلبوكم عليه لما شاهدوا أن الله تعالى وفي بوعده حيث أظهره على الدين كله.
وروي أنه لما نزلت الآية نظر صلى الله عليه وسلم في الموقف فلم ير إلا مسلما، ورجح هذا الاحتمال بأنه الأنسب بقوله سبحانه: * (فلا تخشوهم) * أن يظهروا عليكم وهو متفرع عن اليأس * (واخشون) * أن أحل بكم عقابي إن خالفتم أمري وارتكبتم معصيتي * (اليوم أكملت لكم دينكم) * بالنصر والإظهار لأنهم بذلك يجرون أحكام الدين من غير مانع وبه تمامه، وهذا كما تقول: تم لي الملك إذا كفيت ما تخافه، وإلى ذلك ذهب الزجاج، وعن ابن عباس. والسدى أن المعنى اليوم أكملت لكم حدودي. وفرائضي. وحلالي. وحرامي بتنزيل ما أنزلت. وبيان ما بينت لكم فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه بالنسخ بعد هذا اليوم، وكان يوم عرفة عام حجة الوداع، واختاره الجبائي. والبلخي. وغيرهما، وادعوا أنه لم ينزل بعد ذلك شيء من الفرائض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحليل ولا تحريم، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يلبث بعد سوى أحد وثمانين يوما، ومضى - روحي فداه - إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وسلم.
وفهم عمر رضي الله تعالى عنه لما سمع الآية نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عنترة " أن عمر رضي الله تعالى عنه لما نزلت الآية بكى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص فقال عليه الصلاة والسلام: صدقت " ولا يحتج بها على هذا القول على إبطال القياس - كما زعم بعضهم - لأن المراد إكمال الدين نفسه بيان ما يلزم بيانه، ويستنبط منه غيره والتنصيص على قواعد العقائد، والتوقيف على أصول الشرع وقوانين الاجتهاد، وروي عن سعيد بن جبير. وقتادة أن المعنى * (اليوم أكملت لكم) * حجكم وأقررتكم بالبلد الحرام تحجونه دون المشركين - واختاره الطبري - وقال: يرد على ما روي عن ابن عباس. والسدي رضي الله تعالى عنهم أن الله تعالى أنزل بعد ذلك آية الكلالة وهي آخر آية نزلت، واعترض بالمنع، وتقديم الجار للإيذان من أول الأمر بأن الإكمال لمنفعتهم ومصلحتهم، وفيه أيضا تشويق إلى ذكر المؤخر كما في قوله تعالى: * (وأتممت عليكم نعمتي) * وليس الجار فيه متعلقا - بنعمتي - لأن المصدر لا يتقدم عليه معموله، وقيل: متعلق به ولا بأس بتقدم معمول المصدر إذا كان ظرفا، وإتمام النعمة على المخاطبين بفتح مكة، ودخولها