تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٥٣
للدلالة عليه وهو كثير، وتقديره غير محلي الصيد محليه كما قال تعالى: * (تقيكم الحر) * (النحل: 81) أي والبرد، وهو تخريج حسن. هذا ولا يخفى أن يد الله تعالى مع الجماعة، وأن ما ذكره غيرهم لا يكاد يسلم من الاعتراض.
* (إن الله يحكم ما يريد) * من الأحكام حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة التي تقف دونها الأفكار، فيدخل فيها ما ذكره من التحليل والتحريم دخولا أوليا، وضمن يحكم معنى يفعل، فعداه بنفسه وإلا فهو متعد بالباء..
* (ي‍اأيها الذين ءامنوا لا تحلوا شعآئر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القل‍ائد ولاءامين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصط‍ادوا ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد آلعقاب) *.
* (ي‍اا أيها الذين ءامنوا لا تحلوا شع‍اائر الله) * لما بين سبحانه حرمة إحلال الحرم الذي هو من شعائر الحج عقب جل شأنه ببيان (حرمة) إحلال سائر الشعائر، وهو جمع شعيرة، وهي اسم لما أشعر، أي جعل شعارا وعلامة للنسك من (مواقف) الحج ومرامي الجمار والطواف والمسعى، والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها (من) (1) الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر، وإضافتها إلى الله تعالى لتشريفها وتهويل الخطب في إحلالها، والمراد منه التهاون بحرمتها، وأن يحال بينها وبني المتنسكين بها، وروي عن عطاء أنه فسر الشعائر بمعالم حدود الله تعالى وأمره ونهيه وفرضه، وعن أبي علي الجبائي أن المراد بها العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم، ومعنى إحلالها عنده مجاوزتها إلى مكة بغير إحرام، وقيل: هي الصفا والمروة، والهدي من البدن وغيرها، وروي ذلك عن مجاهد. * (ولا الشهر الحرام) * أي لا تحلوه بأن تقاتلوا فيه أعداءكم من المشركين - كما روي عن ابن عباس وقتادة - أو بالنسيء كما نقل عن القتيبي، والأول هو الأولى بحال المؤمنين. واختلف في المراد منه فقيل: رجب، وقيل: ذو القعدة، وروي ذلك عن عكرمة، وقيل: الأشهر الأربعة الحرم، واختاره الجبائي والبلخي، وإفراده لإرادة الجنس * (ولا الهدي) * بأن يتعرض له بالغصب أو بالمنع من أن يبلغ محله، والمراد به ما يهدى إلى الكعبة من إبل أو بقر أو شاء، وهو جمع هدية - كجدي وجدية - وهي ما يحشى تحت السرج والرحل، وخص ذلك بالذكر بناءا على دخوله في الشعائر لأن فيه نفعا للناس، ولأنه مال قد يتساهل فيه، وتعظيما له لأنه من أعظمها * (ولا القل‍ائد) * جمع قلادة وهي ما يقلد به الهدي من نعل أو لحاء شجر أو غيرهما ليعلم أنه هدي فلا يتعرض له، والمراد النهي عن التعرض لذوات القلائد من الهدي وهي البدن، وخصت بالذكر تشريفا لها واعتناءا بها، أو التعرض لنفس القلائد مبالغة في النهي عن التعرض لذواتها كما في قوله تعالى: * (ولا يبدين زينتهن) * (النور: 31) فإنهن إذا نهين عن إظهار الزينة كالخلخال والسوار علم النهي عن إبداء محلها بالطريق الأولى، ونقل عن أبي علي الجبائي أن المراد النهي عن إحلال نفس القلائد، وإيجاب التصدق بها إن كانت لها قيمة، وروي ذلك عن الحسن، وروى عن السدي أن المراد من القلائد: أصحاب الهدي فإن العرب كانوا يقلدون من لحاء شجر مكة يقيم الرجل بمكة حتى إذا انقضت الأشهر الحرم، وأراد أن يرجع إلى أهله قلد نفسه وناقته من لحاء الشجر فيأمن حتى يأتي أهله، وقال الفراء: أهل الحرم كانوا يتقلدون بلحاء الشجر، وغير أهل الحرم كانوا يتقلدون بالصوف والشعر وغيرهما، وعن الربيع. وعطاء أن المراد نهي المؤمنين أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم يقلدون به كما كان المشركون يفعلونه في جاهليتهم.
* (ولا ءآمين البيت الحرام) * أي ولا تحلوا أقواما قاصدين البيت الحرام بأن تصدوهم عنه بأي وجه كان، وجوز أن يكون على حذف مضاف أي قتال قوم أو أذى قوم آمين.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»