النبي صلى الله عليه وسلم وغيره، ثم قال تعالى: * (ورسوله) * فأخرج نبيه عليه الصلاة والسلام من جملتهم لكونهم مضافين إلى ولايته، ثم قال جل وعلا: * (والذين آمنوا) * فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلا لزم أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وأن يكون كل واحد من المؤمنين ولي نفسه وذلك محال " انتهى.
وأنت تعلم أن المراد ولاية بعض المؤمنين بعضا لا أن يكون كل واحد منهم ولي نفسه، وكيف يتوهم من قولك مثلا: أيها الناس لا تغتابوا الناس إنه نهي لكل واحد من الناس أن يغتاب نفسه، وفي الخبر أيضا " صوموا يوم يصوم الناس " ولا يختلج في القلب أنه أمر لكل أحد أن يصوم يوم يصوم الناس، ومثل ذلك كثير في كلامهم، وما قدمناه في سبب النزول ظاهر في أن المخاطب بذلك ابن سلام وأصحابه، وعليه لا إشكال إلا أن ذلك لا يعتبر مخصصا كما لا يخفى، فالآية على كل حال لا تدل على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه على الوجه الذي تزعمه الإمامية، وهو ظاهر لمن تولى الله تعالى حفظ ذهنه عن غبار العصبية..
* (ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون) *.
* (ومن يتول الله ورسوله والذين ءامنوا) * أي ومن يتخذهم أولياء، وأوثر الإظهار على الإضمار رعاية لما مر (في الآية السابقة) من نكتة بيان أصالته تعالى في الولاية كما ينبىء عنه قوله تعالى: * (فإن حزب الله هم الغالبون) * حيث أضيف الحزب - أي الطائفة والجماعة مطلقا أو الجماعة التي فيها شدة - إليه تعالى خاصة؛ وفي هذا - على رأي وضع الظاهر موضع الضمير أيضا العائد إلى * (من) * أي فإنهم الغالبون لكنهم جعلوا حزب الله تعالى - تعظيما لهم وإثباتا لغلبتهم بالطريق البرهاني كأنه قيل: ومن يتول هؤلاء فإنهم حزب الله تعالى وحزب الله تعالى هم الغالبون. والجملة دليل الجواب عند كثير من المعربين..
* (ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتابمن قبلكم والكفار أوليآء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا) * أخرج ابن إسحاق وجماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رفاعة بن زيد بن التابوت وسويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ونافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فأنزل الله تعالى هذه الآية، ورتب سبحانه النهي على وصف يعمهما وغيرهما تعميما للحكم وتنبيها على العلة وإيذانا بأن من هذا شأنه جدير بالمعاداة فكيف بالموالاة، والهزؤ - كما في " الصحاح " - السخرية، تقول: هزئت منه، وهزئت به - عن الأخفش - واستهزأت به وتهزأت وهزأت به أيضا هزؤا ومهزأة - عن أبي زيد - ورجل هزأة بالتسكين أي يهزأ به، وهزأة بالتحريك يهزأ بالناس، وذكر الزجاج أنه يجوز في * (هزوا) * أربعة أوجه: الأول: - هزؤ - بضم الزاي مع الهمزة وهو الأصل والأجود، والثاني: - هزو - بضم الزاي مع إبدال الهمزة واوا لانضمام ما قبلها، والثالث: - هزأ - بإسكان الزاي مع الهمزة، والرابع: - هزى - كهدى، ويجوز القراءة بما عدا الأخير، و - اللعب - بفتح أوله وكسر ثانيه كاللعب، واللعب بفتح اللام وكسرها مع سكون العين، والتلعاب مصدر لعب كسمع، وهو ضد الجد كما في " القاموس " وفي " مجمع البيان " " هو الأخذ على غير طريق (الجد)، ومثله العبث، وأصله من لعاب الصبي يقال: لعب (كسمع ومنع) إذا سال لعابه وخرج إلى غير جهة "، والمصدران: إما بمعنى اسم المفعول، أو الكلام على حذف مضاف أو قصد المبالغة.
وقوله تعالى: * (من الذين أوتوا الكتابمن قبلكم) * في موضع الحال من * (الذين) * قبله، أو من فاعل - اتخذوا - والتعرض لعنوان إيتاء الكتاب لبيان كمال شناعتهم وغاية ضلالتهم لما أن إيتاء الكتاب وازع لهم عن اتخاذ دين المؤمنين المصدقين بكتابهم هزوا ولعبا * (والكفار) *