تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٦٩
الركوع بمعنى التخشع والتذلل لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع كما في قوله: لا تهين الفقير علك أن * (تركع) يوما والدهر قد رفعه وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن أيضا كما قيل في قوله سبحانه: * (واركعي مع الراكعين) * (آل عمران: 43) إذ ليس في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع، وكذا في قوله تعالى: * (وخر راكعا) * (ص: 24) وقوله عز وجل: * (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) * (المرسلات: 48) على ما بينه بعض الفضلاء، وليس حمل الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على مثل ذلك التصدق، وهو لازم على مدعي الإمامية قطعا. وقال بعض منا أهل السنة: إن حمل الركوع على معناه الشرعي وجعل الجملة حالا من فاعل * (يؤتون) * يوجب قصورا بينا في مفهوم * (يقيمون الصلاة) * إذ المدح والفضيلة في الصلاة كونها خالية عما لا يتعلق بها من الحركات سواء كانت كثيرة أو قليلة، غاية الأمر أن الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة ولكن تؤثر قصورا في معنى إقامة الصلاة ألبتة، فلا ينبغي حمل كلام الله تعالى الجليل على ذلك انتهى.
وبلغني أنه قيل لابن الجوزي رحمه الله تعالى: كيف تصدق علي كرم الله تعالى وجهه بالخاتم وهو في الصلاة والظن فيه - بل العلم الجازم - أن له كرم الله تعالى وجهه شغلا شاغلا فيها عن الالتفات إلى ما لا يتعلق بها، وقد حكى مما يؤيد ذلك كثير؟ فأنشأ يقول: يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته * عن النديم ولا يلهو عن الناس أطاعه سكره حتى تمكن من * فعل الصحاة فهذا واحد الناس وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدس سره عن أصل الاستدلال بأن الدليل قائم في غير محل النزاع، وهو كون علي كرم الله تعالى وجه إماما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير فصل لأن ولاية * (الذين آمنوا) * على زعم الإمامية غير مرادة في زمان الخطاب، لأن ذلك عهد النبوة، والإمامة نيابة فلا تتصور إلا بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن زمان الخطاب مرادا تعين أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حد للتأخير فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد مضي زمان الأئمة الثلاثة فلم يحصل مدعى الإمامية، ومن العجائب أن " صاحب إظهار " الحق قد بلغ سعيه الغاية القصوى في تصحيح الاستدلال بزعمه، ولم يأت بأكثر مما يضحك الثكلى وتفزع من سماعه الموتى، فقال: إن الأمر بمحبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يكون بطريق الوجوب لا محالة، فالأمر بمحبة المؤمنين المتصفين بما ذكر من الصفات وولايتهم أيضا كذلك إذ الحكم في كلام واحد يكون موضعه متحدا أو متعددا أو متعاطفا لا يمكن أن يكون بعضه واجبا وبعضه مندوبا وإلا لزم استعمال اللفظ بمعنيين، فإذا كانت محبة أولئك المؤمنين وولايتهم واجبة وجوب محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم امتنع أن يراد منهم كافة المسلمين وكل الأمة باعتبار أن من شأنهم الاتصاف بتلك الصفات لأن معرفة كل منهم ليحب ويوالي مما لا يمكن لأحد من المكلفين بوجه من الوجوه، وأيضا قد تكون معاداة المؤمنين لسبب من الأسباب مباحة بل واجبة فتعين أن يراد منهم البعض، وهو علي المرتضى كرم الله تعالى وجهه انتهى.
ويرد عليه أنه مع تسليم المقدمات أين اللزوم بين الدليل والمدعى؟ وكيف استنتاج المتعين من المطلق، وأيضا لا يخفى على من له أدنى تأمل أن موالاة المؤمنين من جهة الإيمان أمر عام بلا قيد ولا جهة، وترجع إلى موالاة
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»