أو ينفقه في سبيل الله تعالى إن جهله، وقيل: المعنى وفعل الفعل الصالح الجميل بأن استقام على التوبة كما هو المطلوب منه * (فإن الله يتوب عليه) * يقبل توبته فلا يعذبه في الآخرة، وأما القطع فلا يسقطه التوبة عندنا لأن فيه حق المسروق منه، ويسقطه عند الشافعي رضي الله تعالى عنه في أحد قوليه، ولا يخفى ما في هذه الجملة من ترغيب العاصي بالتوبة، وأكد ذلك بقوله سبحانه: * (إن الله غفور رحيم) * وهو في موضع التعليل لما قبله، وفيه إشارة إلى أن قبول التوبة تفضل منه تعالى..
* (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والارض يعذب من يشآء ويغفر لمن يشآء والله على كل شىء قدير) *.
* (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض) * الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد يصلح له، واتصاله بما قبله على ما قاله الطبرسي: " اتصال الحجاج والبيان عن صحة ما تقدم من الوعد والوعيد ". وقال شيخ الإسلام: المراد به الاستشهاد بذلك على قدرته تعالى - على ما سيأتي - من التعذيب والمغفرة على أبلغ وجه وأتمه أي ألم تعلم أن الله تعالى له السلطان القاهر والاستيلاء الباهر المستلزمان للقدرة التامة على التصرف الكلي فيهما وفيما اشتملا عليه إيجادا وإعداما إحياءا وإماتة إلى غير ذلك حسبما تقتضيه مشيئته، والجار والمجرور خبر مقدم، و * (ملك السموات) * مبتدأ، والجملة خبر * (أن) * وهي مع ما في حيزها ساد مسد مفعولي * (تعلم) * عند الجمهور؛ وتكرير الإسناد لتقوية الحكم.
وقوله تعالى: * (يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء) * إما تقرير لكون ملكوت السموات والأرض له سبحانه، وإما خبر آخر - لأن - وكان الظاهر لحديث " سبقت رحمتي غضبي " تقديم المغفرة على التعذيب، وإنما عكس هنا لأن التعذيب للمصر على السرقة، والمغفرة للتائب منها، وقد قدمت السرقة في الآية أولا ثم ذكرت التوبة بعدها فجاء هذا اللاحق على ترتيب السابق، أو لأن المراد بالتعذيب القطع، وبالمغفرة التجاوز عن حق الله تعالى، والأول: في الدنيا، والثاني: في الآخرة، فجيء به على ترتيب الوجود، أو لأن المقام مقام الوعيد، أو لأن المقصود وصفه تعالى بالقدرة، والقدرة في تعذيب من يشاء أظهر من القدرة في مغفرته لأنه لا إباء في المغفرة من المغفور، وفي التعذيب إباء بين * (والله على كل شيء قدير) * فيقدر على ما ذكر من التعذيب والمغفرة، والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبلها، ووجه الإظهار كالنهار..
* (ياأيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا ءامنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم ءاخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هاذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولائك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الاخرة عذاب عظيم) *.
* (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) * خوطب صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة للتشريف والإشعار بما يوجب عدم الحزن، والمراد بالمسارعة في الشيء الوقوع فيه بسرعة ورغبة، وإيثار كلمة * (في) * على - إلى - للإيذان بأنهم مستقرون في الكفر لا يبرحون، وإنما ينتقلون بالمسارعة عن بعض فنونه وأحكامه إلى بعض آخر منها، كإظهار موالاة المشركين وإبراز آثار الكيد للإسلام ونحو ذلك. والتعبير عنهم بالموصول للإشارة بما في حيز صلته إلى مدار الحزن، وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكفرة عن أن يحزنوه صلى الله عليه وسلم بمسارعتهم في الكفر - لكنه في الحقيقة نهي له عليه الصلاة والسلام عن التأثر من ذلك والمبالاة، والغرض منه مجرد التسلية على أبلغ وجه وآكده، فإن النهي عن أسباب الشيء ومباديه المؤدية إليه نهي عنه بالطريق البرهاني وقطع له من أصله. وقرىء * (يحزنك) * بضم الياء وكسر الزين من أحزن وهي لغة، وقرىء - يسرعون - يقال أسرع فيه الشيب أي وقع فيه سريعا أي لا تحزن ولا تبال بتهافتهم في الكفر بسرعة حذرا - ما قيل - من شرهم وموالاتهم للمشركين