تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٤٢
وقيل: استئناف مسوق لبيان أن عندهم ما يغنيهم عن التحكيم، وأنثت التوراة معاملة لها - بعد التعريب - معاملة الأسماء العربية الموازنة لها - كموماة ودوداة -.
* (ثم يتولون) * عطف على * (يحكمونك) * داخل في حكم التعجيب لأن التحكيم مع وجود ما فيه الحق المغني عن التحكيم، وإن كان محلا للتعجب والاستبعاد لكن مع الإعراض عن ذلك أعجب، و * (ثم) * للتراخي في الرتبة، وجوز الأجهوري كون الجملة مستأنفة غير داخلة في حكم التعجيب أي ثم هم يتولون أي عادتهم فيما إذا وضح لهم الحق أن يعرضوا ويتولوا، والأول أولى. وقوله سبحانه: * (من بعد ذلك) * أي من بعد أن يحكموك تصريح بما علم لتأكيد الاستبعاد والتعجب، وقوله عز وجل: * (وما أول‍ئك بالمؤمنين) * تذييل مقرر لفحوى ما قبله، ووضع اسم الإشارة موضع ضميرهم قصدا إلى إحضارهم في الذهن بما وصفوا به من القبائح إيماءا إلى علة الحكم مع الإشارة إلى أنهم قد تميزوا بذلك عن غيرهم أكمل تميز حتى انتظموا في سلك الأمور المشاهدة، أي: وما أولئك الموصوفون بما ذكر بالمؤمنين بكتابهم لإعراضهم عنه المنبىء عن عدم الرضا القلبي به أولا وعن حكمك الموافق له ثانيا، أو بك وبه، وقيل: هذا إخبار منه تعالى عن أولئك اليهود أنهم لا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبحكمه أصلا. وقيل: المعنى - وما أولئك بالكاملين في الإيمان - تهكما بهم..
* (إنآ أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كت‍ابالله وكانوا عليه شهدآء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بااي‍اتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأول‍ائك هم الك‍افرون) *.
* (إنا أنزلنا التوراة) * كلام مستأنف سيق لتقرير مزيد فظاعة حال أولئك اليهود ببيان علو شأن التوراة على أتم وجه * (فيها هدى) * أي إرشاد للناس إلى الحق * (ونور) * أي ضياء يكشف به ما تشابه عليهم وأظلم - قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه -. وقال الزجاج: * (فيها هدى) * أي بيان للحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وسلم * (ونور) * أي بيان أن أمر النبي عليه الصلاة والسلام حق، ولعل تعميم المهدي إليه كما في كلام ابن عباس أولى، ويندرج فيه اندراجا أوليا ما ذكره الزجاج من الحكم، وإطلاق النور على ما في التوراة مجاز، ولعل إطلاقه على ذلك دون إطلاقه على القرآن بناءا على أن النور مقول بالتشكيك، وقد يقال: إن إطلاقه على ما به بيان أمر النبي صلى الله عليه وسلم - بناءا على ما قال الزجاج - باعتبار كون الأمر المبين متعلقا بأول الأنوار الذي لولاه ما خلق الفلك الدوار صلى الله عليه وسلم، وحينئذ يكون الفرق بين الإطلاقين مثل الصبح ظاهرا، والظرف خبر مقدم، و * (هدى) * مبتدأ، والجملة حال من * (التوراة) * أي كائنا فيها ذلك، وكذلك جملة * (يحكم بها النبيون) * في قول إلا أنها حال مقدرة، والأكثرون على أنها مستأنفة مبينة لرفعة رتبة التوراة وسمو طبقتها، والمراد من النبيين من كان منهم من لدن موسى إلى عيسى عليهما الصلاة والسلام على ما رواه ابن أبي حاتم عن مقاتل، وكان بين النبيين عليهما السلام ألف نبي. وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن المراد بهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن قبله من أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، وعلى هذا بنى الإستدلال بالآية من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، وتقديم الجار والمجرور على الفاعل لما مر غير مرة، والمراد: يحكم بأحكامها النبيون.
* (الذين أسلموا) * صفة أجريت على النبيين - كما قيل - على سبيل المدح، والظاهر لهم، ونظر فيه ابن المنير " بأن المدح إنما يكون غالبا بالصفات الخاصة التي يتميز بها الممدوح عمن دونه، والإسلام أمر عام يتناول أمم الأنبياء ومتبعيهم كما يتناولهم، ألا ترى أنه لا يحسن في مدح النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتصر على كونه رجلا مسلما؛ فإن أقل متبعيه كذلك، ثم قال: فالوجه - والله تعالى أعلم -
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»