وقرىء * (السحت) * بفتح السين على لفظ المصدر أريد به المسحوت كالصيد بمعنى المصيد، و * (السحت) * بفتحتين و * (السحت) * بكسر السين.
* (فإن جاءوك) * خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والفاء فصيحة أي إذا كان حالهم كما شرح فإن جاءوك متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات * (فاحكم بينهم) * بما أراك الله تعالى * (أو أعرض عنهم) * غير مبال بهم ولا مكترث، وهذا كما ترى تخيير له صلى الله عليه وسلم بين الأمرين، وهو معارض لقوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * (المائدة: 49) وتحقيق المقام على ما ذكر الجصاص - في كتاب " الأحكام " - أن العلماء اختلفوا، فذهب قوم إلى أن التخيير منسوخ بالآية الأخرى وروي ذلك عن ابن عباس وإليه ذهب أكثر السلف، قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم كان أولا مخيرا، ثم أمر عليه الصلاة والسلام بإجراء الأحكام عليهم، ومثله لا يقال من قبل الرأي، وقيل: إن هذه الآية فيمن لم يعقد له ذمة، والأخرى في أهل الذمة فلا نسخ، وأثبته بعضهم بمعنى التخصيص لأن من أخذت منه الجزية تجري عليه أحكام الإسلام، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أيضا. وقال أصحابنا: أهل الذمة محمولون على أحكام الإسلام في البيوع والمواريث وسائر العقود إلا في بيع الخمر والخنزير فإنهم يقرون عليه، ويمنعون من الزنا كالمسلمين فإنهم نهوا عنه، ولا يرجمون لأنهم غير محصنين، وخبر الرجم السابق سبق توجيهه، واختلف في مناكحتهم، فقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: يقرون عليها، وخالفه - في بعض ذلك - محمد وزفر، وليس له عليهم اعتراض قبل التراضي بأحكامنا، فمتى تراضوا بها وترافعوا إلينا وجب إجراء الأحكام عليهم، وتمام التفصيل في الفروع.
* (وإن تعرض عنهم) * بيان لحال الأمرين بعد تخييره صلى الله عليه وسلم بينهما، وتقديم حال الإعراض للمسارعة إلى بيان أنه لا ضرر فيه حيث كان مظنة لترتب العداوة المقتضية للتصدي للضرر، فمآل المعنى إن تعرض عنهم ولم تحكم بينهم فعادوك وقصدوا ضررك * (فلن يضروك) * بسبب ذلك * (شيئا) * من الضرر فإن الله تعالى يحفظك من ضررهم * (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) * أي بالعدل الذي أمرت به، وهو ما تضمنه القرآن واشتملت عليه شريعة الإسلام، وما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه من أنه قال: - لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم - إن صح يراد منه لازم المعنى * (إن الله يحب المقسطين) * أي العادلين فيحفظهم عن كل مكروه ويعظم شأنهم..
* (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذالك ومآ أولائك بالمؤمنين) *.
* (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله) * تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به، والحال أن الحكم منصوص عليه في كتابهم الذي يدعون الإيمان به، وتنبيه على أن ذلك التحكيم لم يكن لمعرفة الحق وإنما هو لطلب الأهون، وإن لم يكن ذلك حكم الله تعالى بزعمهم فقوله سبحانه: * (وعندهم التوراة) * حال من فاعل * (يحكمونك) *، وقوله تعالى: * (فيها حكم الله) * حال من التوراة إن جعلت مرتفعة بالظرف وكون ذلك ضعيفا لعدم اعتماد الظرف سهو لأنه معتمد - كما قال السمين - على ذي الحال لكن قال: جعل التوراة - مرفوعا بالظرف المصدر بالواو - محل نظر،، ولعل وجهه أنها تجعله جملة مستقلة غير معتمدة، أو أنه لا يقرن بالواو، وإن جعلت مبتدأ فهو حال من ضميرها المستكن في الخبر لأنه لا يصح مجىء الحال من المبتدأ عن سيبويه.