أظهر من أن تخفى، والجمهور على أن المقطع هو الرسغ، فقد أخرج البغوي وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " من حديث الحرث بن أبي عبد الله بن أبي ربيعة " أنه عليه الصلاة والسلام أتي بسارق فأمر بقطع يمينه منه " والمخاطب بقوله سبحانه: * (فاقطعوا) * على ما في " البحر " الرسول صلى الله عليه وسلم أو ولاة الأمور كالسلطان ومن أذن له في إقامة الحدود، أو القضاة والحكام، أو المؤمنون أقوال أربعة، ولم تدرج السارقة في السارق تغليبا كما هو المعروف في أمثاله لمزيد الاعتناء بالبيان والمبالغة في الزجر.
* (جزآء) * نصب على أنه مفعول له أي فاقطعوا للجزاء، أو على أنه مصدر - لاقطعوا - من معناه، أو لفعل مقدر من لفظه، وجوز أن يكون حالا من فاعل - اقطعوا - مجازين لهما * (بما كسبا) * بسبب كسبهما، أو ما كسباه من السرقة التي تباشر بالأيدي وقوله تعالى: * (نكالا) * مفعول له أيضا - ما قال أكثر المعربين - وقال السمين: منصوب كما نصب * (جزاء) *، واعترض الوجه الأول بأنه ليس بجيد لأن المفعول له لا يتعدد بدون عطف واتباع لأنه على معنى اللام، فيكون كتعلق حرفي جر بمعنى بعامل واحد وهو ممنوع، ودفع بأن النكال نوع من الجزاء فهو بدل منه، وقال الحلبي وبعض المحققين: إنه إنما ترك العطف إشعارا بأن القطع للجزاء والجزاء للنكال والمنع عن المعاودة، وعليه يكون مفعولا له متداخلا كالحال المتداخلة، وبه أيضا يندفع الاعتراض وهو حسن، وقال عصام الملة: إنما لم يعطف لأن العلة مجموعهما - كما في هذا خلو حامض - والجزاء إشارة إلى أن فيه حق العبد، والنكال إشارة إلى أن فيه حق الله تعالى، ولا يخفى ما فيه فتأمل، ونقل عن بعض النحاة أنه أجاز تعدد المفعول له بلا اتباع وحينئذ لا يرد السؤال رأسا، وقوله تعالى: * (من الله) * متعلق بمحذوف وقع صفة لنكالا أي نكالا كائنا منه تعالى * (والله عزيز) * في شرع الردع * (حكيم) * في إيجاب القطع، أو عزيز في انتقامه من السارق وغيره من أهل المعاصي حكيم في فرائضه وحدوده، والإظهار في مقام الإضمار لما مر غير مرة.
ومن الغريب أنه نقل عن أبي رضي الله تعالى عنه أنه قرأ - والسرق والسرقة - بترك الألف وتشديد الراء، فقال ابن عطية: إن هذه القراءة تصحيف لأن السارق والسارقة قد كتبا في المصحف بدون الألف، وقيل: في توجيهها أنهما جمع سارق وسارقة، لكن قيل: إنه لم ينقل هذا الجمع في جمع المؤنث؛ فلو قيل: إنهما صيغة مبالغة لكان أقرب، واعترض - الملحد - المعري على وجوب قطع اليد بسرقة القليل فقال: يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار تحكم ما لنا إلا السكوت له * وأن نعوذ بمولانا من النار فأجابه - ولله دره - علم الدين السخاوي بقوله: عز الأمانة: أغلاها وأرخصها * ذل الخيانة فافهم حكمة الباري وفي " الأحكام " لابن عربي (2 / 618) " أنه كان جزاء السارق في شرع من قبلنا استرقاقه، وقيل: كان ذلك إلى زمن موسى عليه الصلاة والسلام ونسخ، فعلى الأول: شرعنا ناسخ لما قبله، وعلى الثاني: مؤكد للنسخ "..
* (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم) *.
* (فمن تاب) * من السراق إلى الله تعالى * (من بعد ظلمه) * الذي هو سرقته، والتصريح بذلك لبيان عظم نعمته تعالى بتذكير عظم جنايته * (وأصلح) * أمره بالتفصي عن التبعات بأن يرد مال السرقة إن أمكن. أو يستحل لنفسه من مالكه