تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ٤٨
ويحتمل أن يكون مرادهم ما تقدم. ومن الناس من جوز أن يراد بتحريف الكلم إمالتها عن مواضعها سواء كانت مواضع وضعها الله تعالى فيها أو جعلها المقام والعرف مواضع لذلك فيكون المعنى هم قوم عادتهم التحريف، ويكون قوله سبحانه: * (ويقولون) * الخ تعدادا لبعض تحريفاتهم، والمراد إنهم يقولون لك: سمعنا وعند قومهم عصينا ويقولون كذا وكذا فيظهرون لك شيئا ويبطنون خلافه * (ليا بألسنتهم) * اللي يكون بمعنى الانحراف والالتفات والانعطاف عن جهة إلى أخرى، ويكون بمعنى ضم إحدى نحو طاقات الحبل على الأخرى. والمراد به هنا إما صرف الكلام من جانب الخير إلى جانب الشر، وإما ضم أحد الأمرين إلى الآخر، وأصله لوى فقلبت الواو ياءا وأدغمت، ونصبه على أنه مفعول له - ليقولون - باعتبار تعلقه بالقولين الأخيرين، وقيل: بالأقوال جميعها، أو على أنه حال أي - لاوين - ومثله في ذلك قوله تعالى: * (وطعنا في الدين) * أي قدحا فيه بالاستهزاء والسخرية، وكل من الظرفين متعلق بما عنده * (ولو أنهم) * عندما سمعوا شيئا من أوامر الله تعالى ونواهيه * (قالوا) * بلسان المقال كما هو الظاهر أو به وبلسان الحال كما قيل: * (سمعنا) * سماع قبول مكان قولهم: * (سمعنا) * المراد به سماع الرد * (وأطعنا) * مكان قولهم: * (عصينا) * * (واسمع) * بدل قولهم: * (اسمع غير مسمع) *. * (وانظرنا) * بدل قولهم: * (راعنا) * * (لكان) * قولهم هذا * (خيرا لهم) * وأنفع من قولهم ذلك * (وأقوم) * أي أعدل في نفسه، وصيغة التفضيل إما على بابها واعتبار أصل الفعل في المفضل عليه بناءا على اعتقادهم أو بطريق التهكم، وإما بمعنى اسم الفاعل فلا حاجة إلى تقدير من، وفي تقديم حال القول بالنسبة إليهم على حاله في نفسه إيماء إلى أن همم اليهود لعنهم الله تعالى طماحة إلى ما ينفعهم، والمنسبك من (أن) وما بعدها فاعل ثبت المقدر لدلالة أن عليه أي: لو ثبت قولهم سمعنا الخ وهو مذهب المبرد، وقيل: مبتدأ لا خبر له، وقيل: خبره مقدر.
* (ول‍اكن لعنهم الله بكفرهم) * أي ولكن لم يقولوا الأنفع والأقوم، واستمروا على ذلك فخذلهم الله تعالى وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم * (فلا يؤمنون) * بعد * (إلا قليلا) * اختار العلامة الثاني كونه استثناء من ضمير المفعول في * (لعنهم) * أي ولكن لعنهم الله تعالى إلا فريقا قليلا منهم فإنه سبحانه لم يلعنهم فلهذا آمن من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأضرابه، وقيل: هو مستثنى من فاعل * (يؤمنون) * ويتجه عليه أن الوجه حينئذ الرفع على البدل لأنه من كلام غير موجب مع أن القراء قد اتفقوا على النصب، ويبعد منهم الاتفاق على غير المختار مع أنه يقتضي وقوع إيمان من لعنه الله تعالى وخذله إلا أن يحمل * (لعنهم الله بكفرهم) * على لعن أكثرهم وهو كما ترى، وقيل: إنه صفة مصدر محذوف أي إلا إيمانا قليلا لأنهم وحدوا وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وشريعته، والإيمان بمعنى التصديق لا الإيمان الشرعي، وجوز على هذا الوجه أن يراد بالقلة العدم كما في قوله: قليل التشكي للمهم يصيبه * كثير الهوى شتى النوى والمسالك والمراد أنهم لا يؤمنون إلا إيمانا معدوما إما على حد * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * (الدخان: 56) أي إن كان المعدوم إيمانا فهم يحدثون شيئا من الإيمان فهو من التعليق بالمحال، أو أن ما أحدثوه منه لما لم يشتمل
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»